منصة الصباح

من أسرار السرير

بدون سقــف

بقلم : عبدالرزاق الداهش

 

عندما تكون مستلقيا على سريرك، تحلق بتفكيرك من شاغل إلى شاغل، سوف تستدعي ذاكرتك متاعب العمل، وحواديث الأصدقاء، وهموم السياسة، وكرة القدم، وغيرها.

ولكن سيظل السرير هو الشيء الوحيد الذي لا يأخذ تفكيرك، رغم أنه يأخذ المساحة الأكثر من وقتك.

خشب السرير من غابات البرازيل، قطعة الكشمير التي تسند عليها ظهرك من الهند، قوائم الحديد من مناجم الكونغو، قماش المرتبة من تركيا، الطلاء الجميل اللمّاع من النرويج، وأجزاء أخرى من أصقاع أخرى، جمعت في إيطاليا، لتنام عليها أنت في تراغن، أو تازربو.

يعني أن السرير الذي تنام عليه، قد اشتركت في تحضيره جيوش من العمال، من قارات مختلفة، وديانات مختلفة، وأعراق مختلفة.

هذه الجيوش من الأيدي العاملة، لا يعرفون بعضهم، ولا يتكلمون لغة بعضهم، وربما يكرهون بعضهم، ولكن هناك قوة كانت أقوى من كل التناقضات الديمغرافية، وأقوى من كل التمددات الجغرافية، جمعت هذا النسيج الأممي المتضارب، والمتباعد.

المصلحة هي الدين الواحد، وهي اللغة الواحدة، وهي القبيلة الكونية الصغيرة، التي جمعت عامل الغابات في البرازيل الذي يتكلم البرتغالية، مع عامل النسيج السيخي في الهند، مع فلاح القطن المصري المسلم.

والمصلحة هي التي تحول الصنوبر إلى خشب، وخامات الحديد إلى منتج قابل للتصنيع، وزهرة القطن إلى أقمشة، وهي التي تجمع كل هذه المكونات لتصبح سريرا، لا أحد منهم يعرف من سينام عليه أخيرا، ولكنهم يعرفون قبل كل ذلك ما هي مصلحتهم.

في ليبيا هناك وطن واحد يجمعنا ولم يجمعنا، وهناك دين واحد يجمع ولم يجمعنا ، وهناك لغة مشتركة تجمعنا ولم تجمعنا.

وفي ليبيا هناك حب ينبغي أن يجمعنا، ولكن لم يجمعنا حتى الخوف.

والسؤال: لماذا لا تجمعنا المصلحة على الأقل.

التفكير داخل صندوق الجزر المعزولة، ومنطق أنا أولا، وأنا ثانيا وأنا عاشرا، لا يمكن أن يكون خيارا ، بل هو انتحار.

فماذا لو أن البرازيل امتنعت عن تصدير الخشب لأنه سيتحول إلى سرير ينام عليه أشخاص غير برازيليين؟

وماذا لو أن تركيا قد امتنعت عن تصدير القماش، أو الكنغو عن الحديد، أو ايطاليا عن صناعة حجرات النوم، وبنفس منطق أنه سيتحول إلى سرير ينام عليه، أصحاب لغة أخرى او ديانة أخرى؟

الخاسر هم عمال البرازيل والكنغو، والهند، وكل الذين ساهموا في انتاج مكونات السرير قبل من يستعمله في أي مكان من العالم.

فهل نفكر في السرير؟ نقصد هل نفكر بمنطق المصلحة، ولغة المصلحة، الذي يجمع المتباعدين، والمتفرقين، والمتعادين، على الأقل يتوقف هذا النزيف الهائل، الحريق المشتعل، والناجم عن إهدار كل مشترك بيننا؟

ليس مشكلتنا أن نختلف، ولكن مشكلتنا أن لا يجمعنا شيء، رغم كل المشتركات التي تبدأ بليبيا ولا تنتهي عندها.

لنأخذ فقط «بريك» للتفكير، لا يتعدى الخمس دقائق.

شاهد أيضاً

المجلس الأعلى للقضاء ينفي فصل إدارة القضايا عن الهيئات القضائية

فند المجلس الأعلى للقضاء مايتداول عبر بعض صفحات التواصل الاجتماعي من فصل إدارة القضايا عن …