منصة الصباح

ربيـع بـراغ

ربيـع بـراغ

مفتاخ قناو

في منتصف فبراير 1979م وصلتُ إلى براغ للمرة الأولى، كانت براغ في ذلك الزمن مركزا مهما من مراكز الحراك الاشتراكي التقدمي الدولي المناهض للاستعمار الغربي، وتتخذ منها مجموعة من المنظمات والتنظيمات اليسارية الدولية واتحادات الطلاب والعمال العالمية مقرا لها.

في براغ يطيب لك المقام حيث يشعرك الشعب التشيكي الودود بأنك في وطنك، كانت أسعار السلع والخدمات في ظل النظام الاشتراكي رخيصة وفي متناول الجميع، الحياة الاجتماعية والثقافية مزدهرة، حيث تمتلئ المسارح كل ليلة بعروض فنية مختلفة من المسرح الاجتماعي، إلى عروض الباليه الراقصة، إلى الأوبرا العالمية، إلى جانب قاعات الحفلات الموسيقية المفتوحة.

مقهى سلافيا الكبير الواقع في قلب المدينة على ضفة نهر فلتافا مركزا مهما من مراكز اللقاءات المفتوحة لعموم المثقفين والكتاب كان من رواده الأوائل أهم الكتاب والفنانين التشيك فرانز كافكا وسميتانا وياروسلاف هاشيك ومن الجانب العربي كان الركن المفضل للشاعر محمد مهدي الجواهري، تراه جالسا قرب النافدة المطلة على النهر، الجواهري أقام في براغ ثلاثون عاما، وقال فيها ولها شعرا لم يكتبه في سواها من المدن.

في براغ يمكنك التعرف على الأدب التشيكي وكتابه الرموز في مجالات الشعر والقصة والرواية، حيث يتم استدعاء الكاتبة بوجينا نيمتسوفا وروايتها ( الجدة )، من القرن التاسع عشر كرمز للماضي الثقافي التشيكي الباهر.

ويمثل ياروسلاف هاشيك وروايته الرائعة ( أقدار الجندي الطيب شفيك) الجيل الأوسط من الروائيين، وهذه الرواية من أهم الأعمال التي كتبت عن الحرب العالمية الأولى، حتى نصل إلى جيل الكتاب المناهض للشيوعية، وابرز نجومه ميلان كونديرا المهاجر إلى فرنسا و بوهوميل هرابال ورواياته ( عزلة صاخبة جدا) و( قطارات تحت الحراسة)

في تلك الأيام كان الكاتب المعروف (اميل حبيبي) يقيم في براغ مندوبا للحزب الشيوعي الإسرائيلي في مجلة السلم الدولية، المجلة التي أسستها مجموعة من الأحزاب الشيوعية، وتتخذ من براغ مقرا لها، ويكتب فيها كبار كتاب اليسار العالمي، اطلع اميل حبيبي على الأدب التشيكي وأعجب بأعمال وروايات ياروسلاف هاشيك وظهر تأثره الواضح برواية (أقدار الجندي الطيب شفيك) في روايته ( المتشائل ) التي كتبها اميل حبيبي، واعتبرها النقاد من أهم أعماله.
زمن النصف الثاني من السبعينيات وبداية الثمانينات يمثل ربيعا أخر لبراغ، بعد سنوات ليست ببعيدة عن الغزو السوفيتي للمدينة عام 1968 الذي قضى على الحركة الإصلاحية التي قادها زعيم البلاد الاكسندر دوبتشك، والذي كان يرغب في تحسين واجهة النظام الاشتراكي بتكريس نموذج اشتراكي مختلف، أطلق عليه اسم (الاشتراكية بوجه أنساني)، لكن ذلك لم يرق لزعماء الكرملين، فانقضوا على البلاد للإطاحة به وتكريس حكومة موالية لتوجهاتهم المحافظة.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …