نقطة نظام
بقلم /فوزي البشتي
المقاهي هي بوابات المدن، بل المفاتيح السحرية، خصوصاً عندما تكون عريقة، وتنعقد في فضاءاتها سحابات شجية من زمن من رحلوا ولم يرحلوا.
«باليما» في الرباط المغربية قبالة مبنى البرلمان «لاكسبريس» و «الكافي دي باري» و «الدولتشي فيتا» في بيروت «وريش» و«اكسلسيور» و «الامريكيين» و«الغريدن» و«الاتيليه» في القاهرة و «الكافيه دي فلور» في باريس و «المرابط» في تونس و «البرازيلية» في بغداد و «هافانا» في دمشق.
في المقهى الباريسي العريق كانت رائحة التبغ الذي دخنه «سارتر» لعقود لم تزل في المكان، وكذلك السلم المستدير الصاعد إلى الطابق الثاني .. هناك تلقى (جان بول سارتر) نبأ فوزه بجائزة (نوبل) وهناك أيضاً أعتذر عن قبولها بعد أن اشعل سيجار «جيتان» وطلب شطيرة جبنة.
في مقهى «المرابط» في تونس تساقط الياسمين في أكواب الشاي حيث ينقع اللوز والنعناع ويتضمخ المكان بشذى قادم من الاندلس ومازلت أتذكر الاستاذ عبدالله القويري وهو يجلس بقامته المهيبة يراقب المارة وينسج خيوط مشاريعه في تؤدة وصبر وكبرياء.
وفي «باليما» المغربي الذي تغمر باحته الواسعة أوراق «الكالبتوس» ويعج بالزبائن طلابا وعمالاً وعلى سفر حيث لا تبتعد عنه محطة القطار وفندق «ترمينوس» سوى مسافة قصيرة.
كان يمكن للغريب أن يشاهد ثلة من الشعراء والمعجبات يتحلقن حول مائدة الشاعر الكبير محمد الفيتوري الذي اختار الرباط سكنا و«باليما» واحة للعشق والشعر والجمال.
وفي «الاكسبريس» البيروتي الذي لحق بـ«ستراند» وضاع في حمى «الهامبورغر» و«الشاورما» كانت هناك مؤامرات تحاك وتصاغ المسودات الاولى لانقلابات عسكرية في عواصم عربية.. أما «الهورسن شو» فلم يعد له معنى بعد انفجار غسان كنفاني إذ تحول إلى شطيرة بسعة مقهى وفي لقاء آخر في عدد آخر سوف نعود للجلوس في مقاهي الوطن العربي الشهيرة بعد أن نزور عواصم هذا الوطن العظيم.