منصة الصباح

معطف السيدة ميس داغر

محمد الهادي الجزيري

وأنا أطّلع على كتاب ” معطف السيّدة ” لفت نظري في الفهرس عنوان قصّة طريف ومخاتل وهو ” السيرة الذاتية للاكتئاب ” ففتحت الصفحة 13 لأقرأ سيرته المفصلة بكلّ اندهاش فمتى كان للاكتئاب سيرة وحياة بل وجود فعلي ..فوجدته بالفعل مثل الإنسان له طفولته ومراهقته وكلّ مراحل العمر..، أخذتني القاصة ميْس داغر في رحلة شيّقة لاكتشاف شيء جديد ومختلف ..، نبدأ الرحلة بسؤال يحمل إجابته ” لا، طبعا ” انطلاقا من كونها باحثة في السيرة الذاتية للاكتئاب في بلادها ..، فقد اكتشفت بسخرية لاذعة وبروح الدعابة والفكاهة أنّه كان طفلا عاديّا ومراهقا خبر مشاعر الحبّ كجحش …وخلاصة القول كان إنسانا سويّا ..، هذه القصّة فاتحة أولى للقراءة …..وأشهد أنّها لذيذة وممتعة وإليكم نصيب منها :

” ..وهكذا ، وبعد تتبّع سيرة حياته من المهد إلى ما شاء الله، ومن غير إغراق طويل في التفاصيل، يتّضح لنا كباحثين موضوعيين أنّ للاكتئاب في بلادنا ماضيا طبيعيا جدّا، شأنه شأن أيّ مواطن آخر، ولم نجد في سيرته استثناء يبرّر حالة الكآبة التي تكتنف ملامحه ”

شدّتني قصص كثيرة في هذا المتن السرديّ الشيّق ..مثل ” لحظة لا بدّ من ورودها ” تحكي عن المراهقة وما يمكن أن تفعله وأن تقوله ..، ومثل ” ما يفاجئ الشيطان ” تقصّ على القارئ وساوس أمّ تخشى من حديث الناس ..الذين ينسون كلّ شيء ..إلا القصص التي تتعلّق بالشرف والفضيلة ..، ومثل ” قصاص ” فصراحة وجدت صعوبة لمواصلة القراءة لكنني واصلت ..وفي النهاية تلخّص لي وللقارئ.. المرأة المسنّة التي تعرّضت لسيل من الضرب والرفس واللطم من طرف ” سوسو ” هذا الطفل الجميل الأرعن ..وهي تردّ على اعتذارات أمّ سوسو بحكمة وحسرة ..إذ تقول لها في خاتمة القصة :

” وحياتك ماني زعلانة ، ياما ربّينا مثل سوسو، وهَيْ أجانا إاللي مثل سوسو يربّينا ”

ثمّة قصة بعنوان ” نساء ومدينة ” تستعرض فيها ميْس داغر عذابات المرأة / الزوجة من ذكر همجيّ لم يزل يعيش في القرون الوسطى ..، وقد تبعتها حين تحدّثت عن ” رشدية ” معلمة التاريخ المتقاعدة وجريمتها ..وحين قصّت لنا كيفيّة انتقام ” صفية ” من زوجها الكسول النائم الجلف ..، ورافقتها وهي تروي قصة ” لطفية ” ومعاناتها من بعلها المهووس بالضرب ..فقصّت له نصف شاربه ..، وأخيرا أوغلت معها في إثر ” ربحية ” التي تركت للمدينة النمّامة قصص النساء الأخريات وسمعة زوجها اللص ..هديّة متواضعة وفرّت بجلدها من زمن يتحكّم فيه الرجال..، أعتقد أنّ العنف المدرج في القصة ..ناتج عن القهر والجور والتعسف ..المسلّط على المرأة العربية وليس المرأة الفلسطينية فقط…

أختم هذه القراءة لمجموعة ” معطف السيدة ” بالتوقّف عند ” حلم الجائع ” وهي قصّة قصيرة جدّا حاولت ميْس داغر كشف المسافة الفاصلة بين الفقر والحلم ..وذلك بعرض مسلسل عاديّ تستهلكه عائلة بائسة كمختلف العائلات العربية ..، وتجتهد في وصف حالة الحاجة التي تتخبّط فيها الأسرة ..كما تصرّ على اهتمام أفراد الأسرة بالمسلسل وبممثّلته النجمة ..، ولكنّ الخاتمة ملخّصة للفارق الضخم الذي يفصل الأسرة الفقيرة والمسلسل الذي تشاهده ..وهذا واقعنا المزريّ :

” ولمّا أنهكها الغضب والانفعال، ألقت نجمة المسلسل بنفسها على أريكة باذخة في غرفة جلوسها الملكيّة، وظلّت تبكي وحيدة كطفل يتيم، في تلك اللحظة توقّف الوالدان والأبناء عن فصفصة البذور وهتفوا في صيحة واحدة باندهاش عظيم: الله.. ما أجمل أريكتها “

شاهد أيضاً

زيتونة مجعدة في ضيافة أمازونات ليبيا

تنظم جمعية أمازونات ليبيا معرضا للمنتوجات والابداعات الليبية، تزامنا مع اليوم العالمي للعنف ضد المرأة …