كتبت /فتحية الجديدي
لقبه بعض من كتبوا عنه بأنه “شاهد على عصره”..و”صوت الضمير” وذلك لتميزه في حالاته الشعرية التي صاغتها تجربته المليئة بالمعاناة جراء حالة الفقر واليتم التي عاشها صغيرا.
كل هذه العوامل؛ إضافة إلى توقه للحرية وشغفه بالشعر منذ نعومة أظافره وزهده في الحياة، هي جميعها التي شكلت شخصية الشلطامي الذي كان له معجمه الخاص بالموقف الشعري الذي ارتكز على الحس والإدراك.
ومن دواوين الشلطامي.. (تذاكر الجحيم _أنشودة الحزن العميق _أناشيد الموت والحب والحرية _منشورات ضد السلطة _يوميات تجربة شخصية _قصائد عن الفرح _بطاقة معايدة إلى مدن النور _قصائد شمس النهار _نص مسرحي من طرف واحد _عاشق من سدوم _أغاني سارق النار _موال بنت الأغا_بشارة الطير المسافر).
الشلطامي واضع المفردة _كما يراها _ متأثرا بمن سبقوه، ففي بداياته اهتم بقصائد الشاعر أبي القاسم الشابي والشاعر إيليا أبي ماضي وحفظ نصوص الشاعر بدر شاكر السياب، وهو قارئ جيد للسير القديمة وللفكر الفلسفي ومتأثر بالفكر الصوفي، وله حالات مستلهمة من كل هذا المزيج الفكري، ويظهر ذلك في بعض قصائده مثل “الوماء للشمس” وصوت وجه الجبل “في مجموعته الشعرية، كالتي جاءت في ديوانه (أنشودة الحزن العميق)..
حوار صامت
حينما تسمع مثلي
ضجة الموتى بصمت المقبرة
أنا من يومها
صابرا أسمع صوت الأصرخة
……….
وقصيدة الليل والمدائن الكبيرة” من ديوان (أناشيد عن الموت والحب والحرية)……
فلتحملي ياقطرات الربيع
حبي
إلى من سوف يأتون
ولن أراهم
قولي لهم
قولي لهم
كان هنا وظل
يسكر حتى مات
بالحب
…………..
وتداخلت أعمال الشلطامي مع الأعمال الروائية والفلسفة وكتاب المسرح العالميين، وكانت بعض أشعاره بين (فكتور هوجو) و(أالبرتو مورافيا) و(جان بول سارتر) وخاصة في ديوانه (منشورات ضد السلطة)، الذي تناولت قصائده الانقلابات العسكرية في أمريكا الجنوبية وانعكاسها على أشعاره “ص18” (الصورة الشعرية عند محمد الشلطامي) ل__ أمينة خليفة هدريز.
عاش الشلطامي فترة حماسية بين الستينات والسبعينات أثر القمع والظلم والعسف والكوارث السياسية، حتى تبلورت شخصيته السياسية وتجربته آنذاك بعد التحاقه بحركة القوميين العرب وخلال فترة اعتقاله واهتمامه بالقضايا الإنسانية والنضالية وارتباطه بالناس، لذلك أنشد للحرية والوطن، وكتب أغنيته من ديوان (يوميات تجربة شخصية)..
لن تدق أيها الناقوس والصغار
ضاعوا بلا أثر
غابوا بلا خبر
يقال إن ساحرا غريب
مد أصبعه
وتمتم الصلاة للحديد واستخار
فغاب من صغارنا الحفاة أربعة
…………………
الشاعر محمد الشلطامي استخدم التشبيه والاستعارة والكناية في رسم الصورة البلاغية في شعره! وكان له بناء سردي عالي مرتكز على السمات الفنية المتعددة فأخذنا معه لعمق روحه ووفائه للوطن ومسؤوليته التي لم تغب في كل مراحل حياته، ودفاعه عن قضيته ومثابرته وإصراره على إكمال تعليمه وتبنيه الشعر والحلم والثورة، ونصوصه المتحدة في زنزانة السجن، وأن شمس النهار ستشرق أثناء النطق بالحكم، وحالة عشقه في ديوان (عاشق من سدوم)..
فالأرض تستيقظ الآن
تنفض عن وجهها الرائع السمات
النعاس
وتطفئ عبر مسارب هذي المجرة
كل فوانيسها المتراقصة الضوء
………………
تعبق في الجو
رائحة العشب والطحين والطل
هذا الصباح أتاك ليلقي
وراء حجاب السحاب المخضب
نظراته المطمئنة
فالأرض تستيقظ الآن
تنفض عن وجهها الرائع السمات
النعاس….
……………
الشلطامي.. الوجه.. القمر الآخر للحلم والحب والحياة، رفيق
درب رحلة إبداعية وطنية بامتياز ، منتفض الحس عميق الإنسانية صديق الكادحين، لم تغب عنه صورة أمه وهو متكئ على ركبتها وهي ترحي الشعير لتعد لهم الطعام، غاب عنه والده، فاكتفى بالقلم ليكون رجلا في زمن الفقر، تجول لينسج من الحروف قصيدة.. فكان شاعر التضحيات والوجع، نحفظ الآن قصائده ونرددها، أسميناها “شلطامنيات” نفتخر من خلالها بشاعر ليبيا المعاصر مقاوم الحزن، وصانع الضوء وحامل القنديل وأخ الشمس.