منصة الصباح

  مرحباً بتشكيل الجمال

زايد..ناقص

بقلم /جمعة بوكليب


في شهر يناير 2013، وصلت  مطار القاهرة الدولي قادماً من لندن. كانت تلك المرّة الأولى التي أزور فيها القاهرة  بعد 40 عاماً من الغياب. الزيارة كانت لحضور دورة معرض القاهرة للكتاب، وهي الدورة الأولى التي تشارك فيها ليبيا بعد انتفاضة  فبراير 2011. ليبيا كانت ضيف شرف تلك الدورة.
وأعترف أنني لم أشارك، قبل تلك المرّة، في أي وفد رسمي ليبي، يمثل الكتاب الليبيين في أي محفل ثقافي خارج ليبيا. وسعدتُ جداً حين وجّه إليَّ الصديق الحبيب الأمين وزير الثقافة، آنذاك، دعوة رسمية لأكون ضمن أعضاء الوفد الليبي.
كان الجناح الليبي في المعرض متميزاً. وتمكن الفنان التشكيلي عمر جهان من وضع بصماته الجمالية في إعداده، وترتيبه. وأقيمت العديد من الندوات الثقافية ذات الصلة بالوضع الثقافي والإبداعي في ليبيا.. من ضمن تلك الندوات التي حضرتها، ندوة كان موضوعها الفن التشكيلي في ليبيا وأحواله. أدار الندوة الفنان على العباني، وشارك فيها نخبة من المساهمين المعروفين في الساحة التشكيلية الليبية.  كانت الصالة مليئة بالحاضرين. وكانت الندوة حافلة بالكثير من المواضيع المهمة ذات الصلة بالفن التشكيلي في ليبيا، وما يعانيه من أحوال غير مشجعة. وأذكر أن الصديق الفنان والناقد التشكليلي عدنان معيتيق كان ضمن الحاضرين. وخلال النقاش المفتوح تحدث بمرارة عن غياب المتابعة النقدية للحركة التشكيلية في البلاد، وأعتبر ذلك منقصة ساهمت، إلى حد كبير، في التأثير سلبياً على تطور الفن التشكيلي.
حديث معيتيق أعاد إلى ذاكرتي الكثير من الذكريات المؤلمة للحالة الثقافية في ليبيا، وما تعانيه من مشاكل كثيرة، في مقدمتها تبرز قضية غياب حركة نقدية مواكبة للابداع الثقافي وللمبدعين في مختلف قطاعات الثقافة والفن. وأذكر أنني، في مداخلة قصيرة، وافقت معيتيق في رأيه، ووجدت الفرصة مواتية للحديث عن الحركة الثقافية عموماً، وما تعانيه، منذ فترة طويلة ،من غياب حركة نقدية مواكبة. وأوعزت ذلك الغياب إلى عوامل كثيرة، ونبهتُ إلى ضرورة ألا يكون عاملاً سلبياً، وحاجزاً يحولُ بين الفن التشكيلي وتطوره. وأشرت في السياق، إلى ما حدث خلال ظهور الحركة الشعرية الحديثة في بلدان المشرق العربي، وما واجهته من صعوبات وقفت أمامها عائقاً، يحول بينها وبين التفتح والتطور والانتشار. وكان في مقدمة تلك العوامل غياب حركة نقدية مواكبة. لكن ذلك العائق لم يستمر طويلاً، لأن الحركة الشعرية الجديدة، والشعراء المبرّزين الجدد، بادروا هم أنفسهم بتجاوز ذلك العائق عبر تحوّل معظمهم إلى النقد، ونشر آرائهم النقدية، وقراءاتهم النقدية فيما يقدمه الشعراء من أعمال شعرية برؤية جديدة. وطالبت بأن يتنبى الفنانون التشكيليون الليبيون نفس المبدأ، ويسيروا على نفس النهج بخلق نقاد من بينهم. وأشرت بإعجاب إلى ما يقدمه عدنان معيتيق من قراءات نقدية تنشر في الصحف تقدم متابعة لأهم الفنانين الليبيين وأعمالهم الجمالية بشكل يفيد القاريء المهتم غير المتخصص، ويشجعه على متابعة الابداع التشكيلي الليبي وتطوره، ويعرّفه بأهم الاسماء في الساحة.
الحركة التشكيلية الليبية، خلال الأشهر الماضية، ومن خلال متابعاتي لها ولفنانيها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تعلن عن وجودها، وحضورها، وتطلعها لأن تساهم بفعالية في أحياء الفن التشكيلي واثراء الساحة الثقافية الليبية. وأنتهز الفرصة لأعبر عن أمتناني وشكري لكل الفنانين والمهتمين الذين ساهموا، ومازالوا، في ضخ دم الحياة للحركة التشكيلية، ويسعون، بدأب وصبر، إلى توسيع مساحة الجمال والفن في واقع على خصومة،  طويلة الآمد، مع الجمال، ولم يستوعب بعد معنى وتأثيرغياب الفن والإبداع على وجوده في حاضره ومستقبله.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …