نقطة نظام
بقلم /فوزي البشتي
رائحة النعناع والقرفة والزيت الذي تقرقع فقاقيعه الذهبية حول الحمام المذبوح ، وما يرشح من جدران البيوت والمساجد والمقاهى واجساد الناس ، كل هذه العوامل تشبه كعكة (مارسيل بروست)التي فجرت ذاكرة الروائي الفرنسي زمنا ضائعا فعادت الجدة الميتة منذ عشرين عاما تسرح شعرها الفضي في المدخل أمام المرآة وعادت الصبايا كحديقة من ضوء في النهار ولا أدري من أين تسربت إلي تلك العادة التي لم افلح في الاقلاع عنها رغم أنها أكثر ضررا من التدخين .. وهي إدمان البحث عن اليافطات وأسماء المحال القديمة التي علاها الصدأ أو تراكم عليها ، إنها تخفف من وحشتي ، بل تؤنسني وأحس بانني لم اتغير وان الزمن لم يتبدل رغم كل ما يعج به المشهد من قرائن التغيير ، لم أنسا ان اطرق تلك الأبواب لأسال عن اصدقاء عرفتهم زمنا طويلا كي احافظ على اخضرارهم في الذاكرة .
بيوت تحولت إلى اطلال ، وابراج نهضت قربها أو على انقاضها ، وثمة جدران تقاوم سواء أكانت لمساجد أو لكنائس أو للمقاهى يجرى تجديد شبابها عبر جراحات عمرانية لا تخفي التجاعيد ، وثمة مدن لا يمكن لمن تفتح له احضانها أن يكون مجرد سائح فيها ، انه جزء من صميم النسيج البشرى والاراضي قي ازقتها وجامعاتها وفنادقها ومقاهيها .
شكرا لأمير الشعراء الذي ترك للمدينة أمير البيوت فدلني على صباي . وشكرا لأحمد شوقي وشكرا لأسدين لم تنل عوامل التعرية التاريخية منهما وشكرا لطلعت حرب الذي امسك بيدي عندما اصابني الدوار ودلني على مقهى ريش وشكرا لمدينة لولاها لما كنت قادراً على صياغة ذكرياتي عنها ، لانها باختصار علمتني وأنا الفتى الذي قدم إليها في خمسينيات القرن الغابر من مدينة لا كهرباء فيها ولا جريدة ولا تمثال يدل الغريب على داره !.