منصة الصباح

المجالس الأدبية النسائية عند العرب

المجالس الأدبية النسائية عند العرب

محمد الهادي الجزيري

أقترح عليكم اليوم إطلالة أو نزهة خاطفة في كتاب مهمّ يعنى بالمجالس الأدبية النسائية في المجتمع العربي ، وهذا الدور افتتحته الأستاذة هاجر حراثي في بحث حول ” شعر النساء في الأندلس ” كانت قد أعددته لنيل شهادة الدراسات المعمقة ، وأتمّته في هذا المشروع الذي هو في أصله أطروحة دكتوراه في الآداب العربية ، نوقشت في ماي 2012 بكليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة جامعة تونس الأولى ..، وقد أسهبت على الأساتذة المشرفين عليها بجميل الثناء وعلى رأسهم الدكتور مبروك المناعي لما تفضّل به من ثمين وقته ونفيس نصائحه ..، علما أنّ هاجر حراثي قد تحصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها بملاحظة مشرّف جدّا ….

سأحاول في هذا الإسهام منّي في التعريف بهذا الكتاب في هذا الحيّز الضيّق الذي يفرضه مقال إخباري..، أن أنتقي فقرات دالة على المجهودات المبذولة في هذا المتن المجمّع لتاريخ المجالس الأدبية النسائية.. وتقديمها قصد الاطلاع عليها.. والاستفادة منها كلّ حسب ذائقته الأدبية ….

يتوزّع بحث المجالس الأدبية النسائية عند العرب على جزئين صدر الجزء الأول سنة 2017 عن دار الوراق مسقط ويحمل عنوان “المجالس الأدبية النسائية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري المدونة، وصدر الجزء الثاني سنة 2019 عن دار دجلة الأردن، ووسم بــ ” ظاهرة المجالس الأدبية النسائية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري.

أوّل ما قامت به الأستاذة هاجر حراثي شرح وتفسير معنى” مفهوم المجلس الأدبي النسائي” ، فلم تربطه بحضور المرأة فيه، وإنشادها الشعر ونقده وتفسيره أو تلحينه أو غناء بعض المقاطع منه، بل بأن تكون المرأة صاحبة المجلس المشرفة عليه وأن يكون المجلس موسوما باسمها، لأنّها تفتح بيتها أو أي مكان آخر وتستقطب الحاضرين في فضاء هي من تختاره، وهكذا حسمت المؤلفة كلاما كثيرا عن المجالس الأدبية النسائية ..في حين أنّها ليست خاصة بالنساء ..إذ كنّ ضيفات أو هوامش أو فواصل في مجالس ذكورية ، ولكن الباحثة للزوم البحث ورصانة ولَبَاقة الأدب قالت للتنصّل الجميل ” ..وبالرغم من أهميّة هذه النصوص في إتمام معرفتنا بالمجالس الأدبية النسائية فإنّنا لم ندرجها ضمن مدوّنتنا ..”

تسوق المؤلفة حادثة وقعت مع صاحبة المجلس هند بن النعمان حول طلاقها من الحجّاج، ويهمّني إدراج هذا الخبر دون سواه، لما فيه اعتداد بالذات واحتقار للمال..، من قِبل امرأة في العصر الأموي.. وردّ في محلّه على ذكورة العربي:
” أنفذ، الحجّاج، إليها عبد الله بن طاهر وأنفذ لها معه مائتي درهم، وهي التي كانت لها عليه وقال: يا ابن طاهر طلّقها بكلمتين ولا تزد عليهما، فدخل عبد الله بن طاهر عليها فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجّاج: كنتِ فبنتِ، وهذه المائتي درهم التي كانت لك قبله، فقالت: اعلم يا ابن طاهر إنّا والله كنّا فما حمدنا ثمّ بِنّا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها هي لك بشارة لك بخلاصى من كلب بني ثقيف ”

ودائما وكعادتي أميل في قراءتي الكتب العلمية والأدبية إلى الشعر.. وخاصة إلى الشعر العربي القديم.. الصادر عن أسلافنا العظام.. وأميل إليه لما فيه من عذوبة وسلاسة وحكمة وشعرية عالية، واليوم سأستأذن الدكتورة هاجر حرّاثي أن أنتقي بعض الأبيات الشعرية التي راقت لي في هذا المتن الغنّي بالمعرفة:

” بيضاء باكرها النعيم كأنّها ــ قمر توسّط جُنْح ليلٍ أسودِ

موسومة بالحسن ذات حواسد ــ إنّ الجمال مظنّة للحُسّدِ ”

” أغيب عنك بودّ ما يُغيّره ــ نأي المحلّ ولا صرف من الزمنِ

فإن أعشْ فلعلّ الدهر يجمعنا ــ فقتيل الهمّ والحزنِ ”

” فهل لنا فيكَ حظّ من مواصلة ــ أو لا فإنّي راض فيك بالنظرِ ”

ورد في خاتمة الكتاب حديث مهمّ وبيّن للمؤلفة، أوضحت خلاله ما المفارقة الهامّة بين ما حرصت على إبرازه من إشراف المرأة العربية على المجالس الأدبية وبين ظاهرة الإهمال التي واجهتها في المصادر القديمة أو وعي القارئ الحديث والباحث الحديث …

لقد عبّرت في بداية هذا المقال أنّه لا يسع إلا القليل والقليل من هذا الكتاب القيّم ، ولا يسعنا في النهاية إلا الاعتذار لصديقة وأخت تونسية اجتهدت وانكبّت على هذا المتن المنتصر للعلم والأدب.. وفيه الكثير من التكريم للمرأة والاحتفاء بها..

شاهد أيضاً

الهُـويـة الليبيـة

مفتاح قناو كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن وجود أزمة هوية في ليبيا، وفي اعتقادي …