منصة الصباح

ما يجب على الحكومة أن تتذكره و ما بجب عليها أن تفعله قبل إتخاذ قرارها برفع دعم الوقود ؟

           نورالدين رمضان حبارات – متابع و مهتم بالشأن الإقتصادي

 

قرار رفع الدعم عن الوقود قرار مصيري له أثاره و تداعياته و ليس قرار عادي و روتيني حيث يمس كافة المواطنين تقريباً و يتعلق بسلعة أساسية جداً لا بديل لها و لا يمكن أن نتخيل حياة طبيعية بدونها فالطلب عليها عديم المرونة أي بمعنى زيادة سعرها إلى مستويات أو حدود معينة لا يؤثر في حجم الكمية المطلوبة بالإنخفاض و ذلك شأنها شأن الأدوية و الغاز و الدواء ، و من تمة إتخاذ قرار كهذا يجب أن يخضع مسبقاً لدراسة تحليلية شاملة مستفيضة معمقة بالأرقام لا بالكلام العام تحدد من خلالها بدقة تكلفة فاتورة دعم الوقود و قياس قيمة الهدر فيها و توضح أسبابه على أن تأخد هذه الدراسة في الإعتبار كافة الأثار الإقتصادية و المالية و الإجتماعية على المواطنين خاصةً فيما يتعلق بالأثار على أسعار السلع و الخدمات و معدلات التضخم و على قدراتهم الشرائية و مدخراتهم المالية و أيضاً الأثار على خزانة الدولة إيجاباً كانت أم سلباً .

و قبل الخوض في صلب الموضوع يجب التذكير و التأكيد على إن مسألة مكافحة التهريب و المهربين و تنظيم إستهلاك الوقود و ترشيده و ضمان وصول إمداداته إلى كافة مناطق البلاد مهمة و مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الحكومة و حدها دون غيرها و ذلك بموجب الإعلان الدستوري المؤقت و القوانين الصادرة بمقتضاه و لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل المواطنين مسؤولية فشلها في ذلك و كان لزاماً عليها أي الحكومة فرض سيادتها و هيبتها في فرض القانون و إنفاذه في حماية الحدود و المنافذ و فرض الضرائب و رسوم الخدمات و إتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة حيال المخالفين بسبب إستهلاكهم أو إستخدامهم غير المشروع للوقود أو الكهرباء .

و عليه بجب على الحكومة و قبل إتخاذها لقرار رفع الدعم أو إستبداله أن تتذكر إن  .

صافي قيمة فاتورة دعم الوقود تقدر بقرابة 3.400 مليار دينار سنوياً أي ما يعادل 2،400 مليار دولار و هذا الدعم بالتأكيد يستفيد منه كافة المواطنين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة و بنِسَب متفاوتة و عدم وصول إمداداته لمناطق عدة خاصةً لجنوب البلاد كما أسلفنا مسؤولية تتحملها الحكومة و جزء من قيمة هذه الفاتورة يهدر بسبب أعمال التهريب و الإستهلاك المفرط من قبل غالبية المواطنين و بجب على الحكومة تحديد قيمة الهدر بالأرقام و بدقة .

و لكن و في المقابل يجب عليها أن تتذكر و بالأخص ما يلي .

1- إنها أنفقت قرابة 65 مليار دينار على الجهاز الإداري خلال الفترة من 2012 إلى 2019 م و هذه بيانات رسمية و ليس مجرد كلام رغم إن الجهاز الإداري مترهل و غير منتج حيث أرتكز معظم أوجه هذا الإنفاق على الثأثيث و التجهيزات و الإيجارات للمقار الإدارية و السفر و العهد المالية و الإقامة في الفنادق و إلى ما ذلك من نفقات و هذا الإنفاق إستهلاكي لا علاقة مباشرة له بالمواطنين .

2- إنها أنفقت خلال الفترة ذاتها قرابة 38 مليار دينار في شكل إنفاق تنموي على الورق لا على الأرض و حال البنى التحتية الْيَوْمَ و تدهور الخدمات الأساسية لا خير دليل على ذلك .

3- أضاعت خلال سنوات 2014 ، 2015 ، 2017 ، 2018 ،2019 م إيرادات سيادية بقيمة تقد ب 15.5 مليار دينار و ذلك بسبب عدم جبايتها للضرائب و الجمارك و رسوم الخدمات و بواقي القطاعات و فوائض الشركات العامة المقررة لها في الميزانية العامة  حيث قدرت تلك الإيرادات ب 26.700 مليار دينار و هي في حدودها الدنيا في حين بلغ ما تم تحصيله فعلاً 11.200 مليار دينار فقط دون إحتساب الإيرادات الضائعة عن سنوات 2012 ، 2013 ، 2016 م .

و ليس هذا فقط بل يجب على الحكومة أن تتذكر أن مرتبات أو دخول المواطنين في المتوسط لا تتجاوز 120 دولار شهرياً و ذلك بعد أن فشلت في إعادة سعر الدولار إلى السعر التوازني الذي سوقت له عند 2.5 أو 2.75  دينار للدولار من خلال برنامجها للإصلاح الإقتصادي قبل عامين تقريباً من الأن و الذي تبخر بالمناسبة و لكن بالتأكيد لا يجب عليها أن تنسى إن المواطنين الذين تسعى لرفع الدعم عنهم قد دفعوا لها بطريقة غير مباشرة قرابة 45 مليار دينار في شكل ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي خلال الفترة من سبتمبر 2018 م إلى نهاية مايو المنصرم دون أن يتحصلوا في مقابله أي شيء بل إزدادت معاناتهم كما أستنفذت أموالهم المجنبة التي ناهزت في نهاية 2011 م قرابة 29 مليار دينار أي ما يعادل 21 مليار دولار تقريباً و راكمت عليهم دين عام حيث تجاوز الدين المصرفي فقط حاجز 100 مليار دينار ناهيك عن الإلتزامات المالية التي خلفتها الحكومات السابقة و المتعاقبة في شرق البلاد و غربها و هم المواطنين وحدهم من سيتحمل تبعاته مستقبلاً فالحكومات تأتي و تذهب و الشعوب باقية . و الحقيقة هناك الكثير ما يجب على الحكومة أن تتذكره لا يسعنا الأن المجال لذكره ، لكن ما يجب على الحكومة أن تفعله قبل إتخاذ قرارها برفع الدعم سنتركه لقراءة قادمة .

 

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …