منصة الصباح

” لا يكتب إلا مايؤمن به “

بقلم / محمد الهادي الجزيري

صدرت عن دار الإتحاد للنشر مجموعة قصص قصيرة  جدّا للأديب التونسي.. محمد بوحوش بعنوان : ضحك أسود علما أنّ الكاتب اعتدنا على خروجه من الصفّ ..فما وراء هذا الهبوب فوق سهول نثرية غريبة عنه ..هذا ما سنعرفه من خلال قراءة لهذه المجموعة الجديدة…

بعد قراءة بعض القصص القصيرة وجدت نفسي مضطرا على كتابة سطرين اثنين في خاتمة أغلب القصص ..لأنّها تثير في القارئ مشاعر وردود فورية يصعب لجمها أو ردّها، لذا سأنطلق من قصة ” الظلّ ” فأقول أنّها تتحدّث عن مصدر العنف والاستبداد بالرأي والانغلاق في وجه الآخر داخل المجتمعات العربية والإسلامية..ويحاول محمد بوحوش أن يشير إلى أنّه متخف ومتفش فينا حتّى آخر طفل منّا ..ويعبّر عن ذلك:

( التقطوا صورا له وفحصوها ، فلم يجنّوا إلاّ الحيرة…أطلقوا الرصاص بلا هوادة ، لكن الظلّ بقي منتصبا في مكانه يقهقه ملء شدقيه ..)

في قصّة ” المرأة الوردة ” يدين الكاتب الموت حين يأتي بغتة، القصة القصيرة جدّا تتحدّث عن جميلة ورهيفة كالوردة تتسلّح بكلّ أدوات زينتها وتستعدّ للخروج .. ما إن تهمّ بالثوب الأخير تسقط في لحظة واحدة ميتة لا حراك بها، هنا الشاعر يتدخّل في النصّ ويدين هادم اللّذات ومفرق الجماعات فقد نسيت أن أعلمكم أنّ محمد بوحوش شاعر قبل كلّ شيء:

( فستان ورديّ، قرطان من الألماس، عطر باريسي ، حذاء مشعشع..

المرأة الوردة، وهي تهمّ بارتداء الفستان، أدركتها السكتة القلبية ..)

عجيب أمر الإنسان لا يتزحزح عن مبادئه بمرور السنوات ..، فقد عرفت محمد بوحوش منذ عشرين سنة أو أكثر..، وشاركته عضوية هيئة المديرة لاتحاد ..وما زال بعد كما هو..، لا يكتب إلاّ ما يؤمن به حتّى وإن كان فيه هلاكه، أبوح بهذا السرّ لأنّ مجموعة ” ضحك أسود ” تطغى عليها السياسي على كلّ صفاته الأخرى..، والأمر واضح لي بجلاء..، فمن يكون مثل هذا الكاتب المهووس بالسياسي لا بدّ أن يكتب مجموعة قصصية في هذا الظرف الناجم عن الثورة ومشتقاتها ..تكون ضاحكة ومرّة لكي يمكننا القول أنها كما قال المتنبي عن مصر:

” وكم ذا بمصر من المضحكات ..ولكنّه ضحك كالبكاء ”

في أقصوصة ” الحرية ” يطرح علينا مشكلة وجود الفرد في مناخ لا استبداد به ..، يمكّنه من التعبير والصراخ والإدانة من دون أن يتعرّض أحد له بسوء ..ويملؤه الفراغ إلى حدّ

( انتفخت أوداجه من فرط حرية التعبير ) ، فالكاتب يفضح الحرّية المجانيّة التي قد تقود إلى الجنون والغباء في أقلّ تقدير..، هذا واضح من كثرة الحوارات ” الحرّة ” التي تتحفنا بها القنوات التلفزية والإذاعية ومختلف النقاشات التي تتم هنا وهناك ..، خلاصة الأمر سحقا لحريّة التعبير إن كانت من غير نتيجة فاعلة في أرض الواقع…

(فأقتنــى قفصــا كبيــرا،   نصبــه علــى الرصيــف، وألقــى بنفســه فيــه، رافعا لافتة كتب عليها: الحريّة تهبك قفصا وصراخا )

أختم هذه الجولة السريعة في مجموعة ” الضحك أسود ” بقراءة قصة ” خبر ” لأنّها تذكّرني بصديق مشترك لي ولمحمد بوحوش وأعني شكري ميعادي الذي اختلسه الموت منّا وخاصة من الكاتب على حين غرّة ..، وقد خلّده بأقصوصة اقتنص فيها حواره معه في الجوّال قبل موته المفاجئ بلحظات …يقول القاصّ:

(هاتفــه ،فقــال له:أنتظــرك فــي المقهــى،فجأة انقطعت المكالمة وسمع دويّا. وكانت سيارة صديقه وقتها، قد اصطدمت بأخرى، لكنّه ظلّ ينتظره في المقهى حتّى جاءه خبر وفاته..)

كانت إطلالة على مجموعة قصصية قصيرة ( وقصيرة جدّا ) ، دوّن خلالها الكاتب/ الشاعر كلّ ما يجول في ذهنه ..وحاولت أن أقدّمه في هذا الموجز ..آملا له مزيد الإبداع والتألق ….

 

 

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …