منصة الصباح

لا أحبّ أبي

محمد الهادي الجزيري

سعادتي لاكتشافي الجرأة النادرة والشجاعة الاستثنائية ..، هما الخصلتان اللتان وجدتهما عند عائشة السيفي ..هذه المرأة العربية المتسلّحة بالأدب والشعرية والذكاء ..، ولها قدرة كبيرة على التكثيف بأقلّ ما يمكن من المفردات ..إضافة لمواضيعها التي تصبّ في بحر الحداثة الفسيح ..من ذلك قولها لكلّ ما تريده بحرية وصلابة ..فكلّ شيء يقال ..يكفي أن نعرف كيف نقوله ..، ونفتتح قراءتنا لهذه المجموعة باختيار بعض الأسطر رأينا فيها جرأة وعناد ورغبة كبيرة في تجاوز فترة كانت فيها المرأة ( شيئا ) متاحا للسيّد الرجل :

” أبي آمرا : اتركي الشعر

خوفي من الأمس / أمسي وحاضره وغدي

وبلادي التي تركتني على الرفّ منسية ”

البداية مع الوالد الذي يأمرها بالكفّ عن الشعر…لأنّه شأن رجالي ..ولأنّه يجلب الهموم والوساوس ..، وتعترف الشاعرة أنّها خائفة من الوقت ..وأنّها مركونة على الرفّ ..فهي منسية من قبل بلادها ..ولكنّها مصرة على هذه اللوثة الجميلة ..لوثة التفكير وفعل المعري قديما : وإني وإن كنت الأخير زمانه… لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل

” من تكونين ؟

بحر على شكل سيّدة؟ ”

هذا سؤال استنكاري فيه الكثير من الاعتداد بالنفس والإحساس بالتفوّق ..ينبغي أن تكون الشاعرة معتدّة بذاتها لكي تكتب دررا شعرية ..وإنّني بفضل ما قرأته من قصائد في هذه المجموعة ..لا على يقين من قدرتها على الإضافة بقوّة إلى المدونة الشعرية العربية…

” كم أنت مضيء هذا اليوم

وكم شِعري وجهك ”

كثيرة هي الشواهد ..فقط أختتم بهذا المقطع الذي شدّني ..فوصف مُحيّا الحبيب بشِعري ..فيه الكثير من الندرة ..فأحيانا يغلبنا الآخر بجماله فنقول له ما قالت عائشة السيفي ..فأسهل الطرق أن يتجسّد شعرنا في من نحبّ

تستعين عائشة على عيشها بأشياء تمكّنها من الصمود ..فأحيانا تحتمي بالوهم لتنتصر على ألمها ومصابها ..وأحيانا تلوذ بالشعر ..والذاكرة المليئة بالفرح …تقول في هذا الإطار :

” على دمعتي العابرةْ

بالأغاني الخفيفة واللغة الساخرةْ

على الفقد …بالذاكرةْ

على صوت جدّي الذي مات

بالصلوات

على سنواتي التي انفرطتْ من يدي بالكثير من الرقص والقفشات

على فرط خوفي بحضن من الأمهات ”

ثمة ذكر للموت ..هادم اللذات ومفرّق الجماعات …وألاحظ وجوده في فقرات كثيرة ..ممّا يدلّنا على فقد الأحبة والخلان ..ممّن أسكنتهم الشاعرة قبورا ..وعادت إلى عالمها مسكونة بهم ..فمن يحبّ يصعب عليه تصديق أنّ لا لقاء غدا…

في القصيدة التي أهدت للمجموعة عنوانها ” لا أحبّ أبي ” …مخاتلة جيّدة للقارئ وهو كذالك عنوان ( تجاريّ ) للمجموعة ..فمن يطّلع على المتن الداخلي لهذا البوح ..يكتشف حبّ الشاعرة لوالدها وشوقها الدائم له ..وحديثها معه حول أشياء دنيوية ..وأنّ كلّ شيء على ما يرام…

” يطلّ أبي

في الحنين الذي يشبه الملح

أسأله

كيف حالك ؟

هل كلّ شيء على ما يرام ؟

وهل نمتَ أفضل ممّا مضى ؟

وأطمئنه

أنّ

أمّي بخير

وأبناءه

وقبيلته

ونخيل بساتينه

ومبانيه والمستأجرين

وأنّ قرابة عام مضى منذ مات /

الجميع على ما يرام

ولكنّ قلبي وحيد

ووجهي كذلك..”

وأختم بكلمة للأستاذ الشاعر سيف الرحبي الذي صدّر هذه المجموعة كما يليق بها ..سأقتطع هذا المقطع :

… ” وهذا ما تمضي عائشة السيفي مع شعراء آخرين عُمانيين وعرب في مواصلته إبداعيا باستثمار انجازات النثر وفنون تعبيرية أخرى وفق أصوات ونبرات تتقاطع وتختلف ”

وختاما أقول باسمي وبأسماء من وُلعوا بالشعر الجميل الهادف ..ستبقى لنا عائشة السيفى عنوانا للإبداع المستنير الطامح إلى نصرة الإنسان أينما كان وبكلّ صورة وشكل ومعنى ..لأنّها تكتب بأعصابها ..بكلّ خليّة فيها ..وتكتب بشجاعة وجرأة وحرفة وبروح حداثية قلّ وجودها هذه الأيام ..، أقول عكس ما ورد في قصيدة ” خبر نعي ” ..إذ أنّها أبدعت وأضافت للمدوّنة الشعرية العربية :

ويُنسى

لموت سريع سيُنشر في خبر عابر في الجريدةِ

دوّنه كاتب بائس

تركتْ للمحبين إرثا من الشعرِ

والحب

والسيرة الزاهيةْ

شاهد أيضاً

الشباب تُسلم صكوك الدعم النقدي المخصص للكشافة والمرشدات 

سلم مدير إدارة المؤسسات الشبابية بوزارة الشباب صالح الغول ظهر اليوم الثلاثاء 26 مارس صكوك …