د.علي عاشور
باختصار
الحديث عن قوانين الإعلام في ليبيا يشبه انتظار قطار في محطة مهجورة؛ تسمع صفيره من بعيد لكنه لا يصل إليك أبدًا.
الكل يعرف إنه منذ صدور قانون رقم 76 لسنة 1972 بشأن المطبوعات، لم نر قانونًا جديدًا للإعلام، ولم يتم تحديث ذلك القانون القديم، ونتيجة لهذا الجمود التشريعي، باتت شكاوى الصحفيين والأكاديميين والحقوقيين من عدم وجود قانون للإعلام تقليدًا متكررًا في كل حوارية أو ندوة أو منتدى... كلهم يطالبون بأن يصدر هذا القانون في أسرع وقت، ويعلقون عليه كل المشاكل كلما تحدثوا عن الإعلام الليبي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو صدر القانون الجديد؟ هل سيكون ذلك عيدًا للحرية التي يبتغونها؟ أم مأتمًا جديدًا للكلمة التي يكتبونها؟.
فلنأخذ مثلاً القانون رقم (5) لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، فعندما صدر، أثار جدلاً واسعاً واستياء بين الصحفيين لما تضمنه من قيود صارمة اعتبرت بمثابة تحول من مكافحة الجرائم الإلكترونية إلى تقييد حرية الرأي والتعبير، وكأن القانون تجاوز هدفه الأصلي ليشمل – وإن كان على غير قصد- تقييد حرية التعبير أيضاً، فقد وضع هذا القانون الصحفيين في مواجهة حقول ألغام قانونية، حيث يمكن أن تفسر أي كلمة منشورة على الإنترنت بأنها تشهير، وأي نقد حاد على أنه تحريض، وأي منشور ناقد قد يؤدي إلى السجن أو فرض غرامات مرهقة تثقل كاهل الصحفي وتفرغ جيبه.
والسؤال هنا: هل يمكن للصحفيين أن يثقوا بنفس البرلمان الذي أصدر هذا القانون– الذي اعتبره معيباً- أن يصدر قانونًا للإعلام؟ ألا يخشون أن يتحول هذا القانون المنتظر إلى كتاب مقدس للممنوعات والمحظورات؟.
في نظري غياب القانون أفضل من وجود قانون معيب،فالفراغ القانوني – رغم عيوبه– لا يسجن ولا يفرض غرامات تكسر الظهور، أقل ما يمكن أن يوفره هذا الفراغ هو أنكتعيش حرية مؤقتة، قد تكون هشة، لكنها بلا قيود مشرعنة، ويكفي أن تتذكروا ما جاء به قانون الجرائم الإلكترونية لتدركوا أن القوانين ليست دائمًا صديقة للحرية.
أيها الصحفيون والمثقفون والأكاديميون وحتى الحقوقيون، تخيلوا معي وللحظة واحدة فقط، قانون إعلام حديث في ليبيا، قد تكون أولى مواده: يُمنع نشر أي خبر دون تصريح مسبق من الجهة المعنية، أو مادة أخرى تنص على: “يعاقب كل من ينتقد أداء المسؤولين بتهمة التشويه، وربما ثالثة تقول: يُمنع استخدام المصطلحات الساخرة التي تزعج النخبة، هل هذا هو القانون الذي تطمحون إليه؟.
ويا شيوخنا المتربعين في قبة البرلمان: إذا أردتم إصدار قانون للإعلام، فليكن قانونًا شفافًا ومرنًا يحمي حرية التعبيربحق، وليس أداة لخنق الصحافة، أما إذا كان ذلك مستحيلاً، فابقوا الأمر كما هو عليه الآن، صحيح أن قانون 1972م قديم، لكنه لا يملك أدوات قتل الصحافة الحديثة كما تفعل القوانين المحدثة.
ربما نحتاج نحن الليبيون إلى إعادة التفكير في المعنى الحقيقي لمصطلح الحرية، هل الحرية في وجود قانون مثالي؟ أم في غياب قانون سيئ؟ الإجابة قد تكون في انتظار قطار لن يصل، لكنه يتركنا على الأقل واقفين في المحطة، نتنفس هواءً نقياً خاليًا من سلاسل التشريعات القمعية …. لا أمتى ما يفرج ربي.