زايد..ناقص
جمعة بوكليب
باستثناء وحيد، ممثل في مملكة السويد، التي تبنّت سياسة مناعة القطيع وسيلة لمواجهة الوباء، لجأتْ الحكوماتُ، في مختلف بلدان العالم وقاراته، إلى نهج سياستين. واحدة تبنّتها أغلبية الحكومات، وخاصة في أوروبا، وأطلق عليها اسم (الاغلاق العام –Lockdown) ، وتقوم على مبدأ حجر المواطنين في منازلهم حماية لهم من الاصابة. وأخرى، تبنّتها أقلية من الدول تقوم على أساس فرض )حظر تجول- (Curfew خلال ساعات النهار أو الليل، بتقييد حركة تنقل المواطنين.
السياستان، حتى الآن، نجحتا في الحدّ من أنتشار الوباء الفيروسي، وتقليل أضراره بين الناس. الجدير بالذكر أن أصلي المصطلحين ( الاغلاق العام) و ( حظر التجوال) تاريخيا، والمواقف التي استخدما فيها تختلفان كلية عن تلك المستخدمة والمنتشرة هذه الايام.
“قفل” هي الترجمة الحرفية للكلمة الانجليزية “Lock “، ويقال إنها جرمانية الأصل. وقرأتُ مؤخراً أن مصطلح ( اغلاق-Lockdown) أي وضع شخص في غرفة واغلاقها، بمعنى حبسه، انتشر استخدامه في القرنين الخامس والسادس عشر.
لكن (الاغلاق-Lockdown )، بمعناه الحالي، بُدءَ في استخدامه، في السبعينيات من القرن الماضي، في السجون والمصحات النفسية، ويعني تمديد فترة السجن او العزل الصحي لسجناء أو نزلاء تلك المصحات ولأسباب أمنية.
مايلفت الأهتمام هو أن “الاغلاق – (Lockdown في أمريكا في القرن التاسع عشر، “كان عبارة عن شريط من الخشب أو الوتد الذي يؤمن القطبين أو طوفًا معاً عند نقل الأخشاب عن طريق النهر. لذلك فمن المفارقة المؤسفة أن حالتنا الحالية سُمّيتْ على اسم آلية كانت ذات يوم تضمن موثوقية السفر في الأماكن الخارجية الرائعة.”
أما فيما يتعلق بحظر التجول فإنني سمعت بالمصطلح لأول مرة، وأنا في بداية المرحلة الاعدادية في عام 1967 ، أي مباشرة بعد نهاية حرب الأيام الستة، بين مصر والاردن وسوريا من جهة واسرائيل من جهة أخرى. تلك الحرب التي لا تُنسى أدت إلى هزيمة ثلاثة جيوش عربية خلال ستة أيام. تلك الهزيمة المذلة والموجعة، أختار الكاتب والصحفي المصري المرحوم محمد حسنين هيكل أن يطلق عليها اسم “النكسة”، في محاولة للتخفيف من وقع مرارة كلمة هزيمة على المواطن العربي. رد فعل الشارع العربي على الهزيمة كان فورياً وعنيفا. المظاهرات بدأت في المدن المصرية، وتتالت في بقية العواصم العربية. وفي ليبيا شهدت مختلف المدن مظاهرات غاضبة، اتسمت بالعنف والأعتداء على اليهود بشكل خاص، و نهب وحرق ممتلكاتهم. فقامت الحكومة، آنذاك، بفرض حظر تجوّل، وفرضت قوات الشرطة سيطرتها على الشوارع.
في طرابلس، وأعتقد في كل المناطق الليبية، بدلاً من ترديد مصطلح حظر تجوّل، أختار المواطنون ترديد كلمـــــــــــــة ايطالية (كوبريفوكو-Coprifuoco) والليبيون ينطقونها (كوبرافوكو)، وهو مصطلح كان يستخدم في فترة الاستعمار الايطالي. لكنّه رغم انحسار الاستعمار، ظل محفوراً في ذاكرات المواطنين، خاصة من كبار السن الذين عاشوا تلك الحقبة، وأعادوه للحياة، فصار على كل لسان.
وقرأتُ أن مصطلح حظر تجوّل – Curfew فرنسي الأصل، Couvre-feu ومعناه في أصله الفرنسي حرفياً ” غطي النار.”. إذ كان من الشائع، في حقبة العصور الوسطي بأوروبا، أن تقوم الكنائس في مختلف القري والبلدان بدق أجراسها مساء، ( عادة الساعة الثامنة) ، بغرض تنّبيه الأهالي إلى ضرورة تغطية نيرانهم في البيوت، أو أطفائها، لتفادي حدوث حرائق تؤدي إلى كوارث كفيلة بالقضاء على القرية أو البلدة وسكانها، ومن دون قصد. وفي فترة زمنية لاحقة تم استعارة المصطلح ليشير إلى قيودات تفرض للحدّ من حركة تنقل المواطنين بعد حلول الظلام.