عبد الحكيم كشاد
الزمان / ثمانينيات القرن الماضي .. المكان / مصر حيث وقعت حادثة غريبة ،كان لها دلالة عميقة اﻷثر، وبوضوح تكشّفت عن ظاهرة عمّت مجتمعاتنا العربية – كان اغتصاب فتاة المعادي الخبر الذي تصدّر وقتها صحف القاهرة – و قد تبيّن أن تحييد هذه الظاهرة بالفُرجة ، هو ما أفصحت عنه الحادثة المثيرة ، حين راح جمهور من المتفرجين أحيط بفتاة في وضح النهار في حالة اغتصاب ! دون أن يحرك هذا الجمهور ساكنا! لتتحوّل هذه اللامبالاة بدورها إلى هستيريا أخطر من عادة الخوف الذي يمكن أن يجمّد أي ردة فعل ..كما لو أن هذا الجمهور كان يتابع على الشاشة فاصلا إخباريا بشكل محايد، وبكل ذلك الاسترخاء التي تعوّد عليه المواطن في عالمنا العربي، وهو يستمع لراديو العرب من لندن كعادته ظهيرة كل يوم ، وهو توصيف لحالة لم ننتبه إليها و بعد احتكر الراديو الأّذن لسنين أوكل لجهازٍ ساحر بالصوت والصورة « التلفزيون «، مهمة تدريب العين على هذه المشاهدة المحايدة أيضا واكتفينا بكل بساطة على ما نشاهد داخل إطار ذلك الصندوق أبرزها ما قدّم بعين (الكاميرا) من أخبار على شناعتها ظلت بضاعةٍ لفُرجةٍ محايدة ، و بحكم العادة صرنا نرى إخوة لنا في شتى بقاع اﻷرض ، تنتهك حقوقهم الإنسانية في السجون ، ويُقتلون في حروب ، وتقطّع أشلاؤهم ، وما يظل بعد ذلك في الذاكرة ، يصبح من المسلمات كلما عنت الذكرى ، وقد صارت أشبه بطقسٍ جنائزي قديم ! .. اليوم بعد كل ماررنا به وبوسائل أسرع نقلا ، وأعم تأثيرا ، عبر فضاء الذي لم يترك شاردة ، قدُّم إلينا الطفل حمزة في فاصلٍ إخباري صادم بمفارقة واقع نعيشه ، والمعنى أن الطفل حمزة بقى لحراسة طفلةٍ في مثل عمره بعد انتهاء اليوم الدراسي منتظرا اﻷب الغائب حتى يعود بابنته الى البيت ! وماذا يتبقّى لهذا لطفل بين غياب مسؤولية الكبار، و الخوف من فعل الكبار أيضا ! سوى المسئولية المزدوجة ؟! .. «ويأتيك باﻷخبار مالم تزوّد « عن حادثة أخرى ، و اﻷب الذي قتل أطفاله جميعا !! يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل، و تلك حكاية لكن درس التربية يظل الحاضر الغائب و الهاجس في تأخره عن كل مراحل حياتنا …ترى ما الذي أبكى المدرس عمر ؟ وقد تعوّد أن يضرب تلميذ ا متأخرا دائما عن طابور الصباح ؟ و بحكم العادة ككل صباح تفرد تلك اليد الطيّعة أصابعها من تلقاء نفسها لتأخذ حصّتها من عصا المدرس الغاشمة ! ولكن عند البحث عن السبب وقعت المفاجأة لنكتشف أن اليد المعاقبة يوميا بالضرب هي ذات اليد التي تضع ذلك اﻷب العاجز على كرسيه كل صباح وتسوّي رأسه لتنال ابتسامة الرضا قبل ان يأخذ التلميذ حقيبته ويذهب متأخرا كالعادة إلى مدرسته .. وبهذا القليل من الوقت كان الكثير من رضا الرحمن ! .. تلك اليد الصغيرة لن تطيبها كل انجازات العلم مهما سما عن درس التربية الغائب ! وبعد كيف يمكن ان نواجه مثل هؤلاء الصغار الكبار ؟! أليست هذه كهولة مبكرة نبدو امامها في عالم جعل منا متفرجين صغار ؟!
الوسومعبد الحكيم كشاد
شاهد أيضاً
شرطة النجدة بطرابلس تضبط عشرات الدراجات النارية المخالفة
تمكن قسم شرطة النجدة بمديرية أمن طرابلس من ضبط أكثر من 50 دراجة نارية مخالفة …