منصة الصباح

 قصة.. في انتظار عريس الغفلة

العناوين الجانبية

– ضاقت بها الدنيا وصرخت في وجوههم.. أنا عانس!

– المدير يعاين البضاعة الجديدة!

– سخرت منها زوجة أخيها قائلة : (سَكْري فمك ياعانس)

كتبت : آمنة ارحومة

ـ عاشت (س.خ) في أسرة متوسطة الحال مكونة من أب وأم وسبعة أخوة خمس بنات وثلاثة شباب في شقة بحي شعبي في مدينة طرابلس.. تتفق مع البعض وتختلف مع البعض الآخر من إخوتها باعتبار أنها الأخت الكبرى لهم.. وتتقاسم معهم الحياة بحلوها ومرها..

تخرجت (س) من الثانوية العامة واكتفت بهذه الشهادة لمساعدة والدها المريض في توفير مصروف العائلة وتعليم إخوتها الصغار..فبحثت عن عمل في عدة أماكن وشركات إلا أنها لم توفق في المرات الأولي.. إلى أن حصلت علي فرصة عمل بشركة خاصة، فرحت كثير،اً وذهبت صحبة أمها لإجراء المقابلة الشخصية، وعندما وصلت لمقر الشركة قالت لها السكرتيرة بأن تبقى في صالة الانتظار

.. وبعد مدة من الزمن دعتها هي وأمها للدخول إلى مدير الشركة، وجلست مع أمها حيث بادرت الأم بالحديث عن حالة الأسرة وكم هم محتاجون لعمل ابنتهم، والمدير ينظر للفتاة يعاين البضاعة الجديدة..ووافق علي الفور بدوره ولكن بعد اجتيازها امتحان القبول، وخرجت أم (س) وهي تدعو لذلك المدير الزائغ العينين بدعوات مختلفة إلى أن غادرت المكتب.. وبقيت (س) وحدها مع المدير وذئبه الخبيث وفجأة طلب منها أن تكتب له ليري ما إن كانت تصلح للعمل أم لا ..وبعد دقائق معدودة أمرها بالمجيء إلى طاولته وكانت (س) خائفة وبقيت بجانب طاولته، فقال لها اقتربي، وأعطاها القلم لتكتب.. وما أن بدأت بالكتابة حتى مد يديه ليمسك بخصرها وما أن وضع يده على خصرها حتى انتفضت (س) وصرخت بصوت مخنوق من الخوف فأصاب المدير المعتوه الرعب من أن يزداد خوفها ويرتفع صراخها ..فقام على حد تفكيره بتدارك أمره وقال لها بأن كل اللاتي يعملن هنا يفعلن ذلك..وقال لها إذهبي وأجرى المقابلة بالمكتب المجاور… وخرجت (س) مذهولة مما حدثت لها دون أن تكلم أحداً وسارت بخطى سريعة للهروب من ذلك المكان المشبوه..كان جسدها النحيل يرتعد من الخوف والدنيا سوداء بعينيها ..لأول مرة تتعرض (س) للتحرش.. ورجعت بدموعها إلي البيت وكانت الأم تنتظرها علي أحرّ من الجمر، وما أن وصلت ابنتها حتى انهالت عليها بطرح الأسئلة ولكن الصمت القاتل كان يخيم على (س) وتفكيرها متوقف علي تلك اللحظة.. ماذا لو؟!!.. ويزداد رعبها أكثر فأكثر وحالتها النفسية سيئة للغاية..

ـ لم ترد على أمها بأي إجابة سوي إيماءة برأسها بأنها متعبة وتريد أن ترتاح ولكن الأم لم تسكت وبقيت تثرثر وتثرثر حتى صرخت (س) على أمها بأنه قد تم رفضها وأنها لا تستطيع التحدث الآن..تركتها لوحدها في الغرفة وخرجت حزينة..

وكانت (س) تقضم على أظفارها بعصبية وكأنها نار تأكل بعضها بعضا وتدعو بداخلها علي ذلك المدير النهم للشهوات الذي لا يدخر جهدا لصيد فريسته متى سنحت له الفرصة.

ـ وبقيت (س) على تلك الحال لمدة شهر لتخف أعراض تلك الصدمة.. وبعد مرور شهر ونصف جاءت صديقتها المقربة (ف) لتزورها، رحبت بها وتبادلا أطراف الحديث وخلال ذلك سألتها، هل حصلت على عمل؟ أجابتها بلا.  فعرضت عليها أن تعمل معها في صنع الحلويات.. رفضت بشدة، ولكن صديقتها أصرت عليها بقولها بأنك سيدة صنعتك..وبعد عدة محاولات وافقت (س) على العمل معها في صنع الحلويات شريطة أن تعمل في بيتها وردت عليها (ف) لك ذلك.. وبدأت مشوارها في صنع الحلويات ومساعدة أبيها وتغطية مصاريف  دراسة إخوتها..

وتمر الأيام وأخوة (س) يكبرون ويتخرجون ويتوظف البعض منهم ولا ينفقون رواتبهم إلا على أنفسهم، وهي رغم كل ذلك لم تنطق بكلمة، صابرة ومتحملة أعباء تلك الأسرة وتوفير أدوية أبيها المريض بالسرطان..وتفتح الحياة لإخوتها أبواب الزواج والاستقرار فيتزوجون تباعاً حتى أن البيت بدأ يشتاق لضجيج مشاكلهم ومطالبهم التي لم تنته بزواجهم..

انصرفوا لأمورهم وأعمالهم وبيوتهم وزوجاتهم وأطفالهم وأهل زوجاتهم ونسوا أمهم وأبوهم والبيت الذي أواهم وساعدهم ليصلوا إلي ما هم عليه الآن من العلم والسعادة..

وكانوا لا يزورن بيتهم إلا ومطالبهم تسبق خطواتهم لأختهم الكبرى.. صبرت (س) حتى تلك اللحظة التي خلعت فيها رداء الصمت وقالت لهم.. أنا تعبت وعليكم مساعدتي في علاج والدكم المريض.. صمتوا برهة وبعدها تعالت أصواتهم وكأنهم يحاربون جيشا لغزاة أشداء.. وأنت ماذا تفعلين هنا؟!، وسخرت منها إحدى زوجات إخوانها بعد مشادة كلامية بينهما بالقول: (سكري فمك ياعانس )..

وجاء الرد سريعاً لزوجة الأخ بصفعة قوية من زوجها وبعدها (طريحة).. أنت تسبين أختي التي ربتنا وصرفت علينا بجهدها ومالها وضيعت سنين عمرها لأجلنا (سكري فمك أنت والباب اللي جابك يجيب غيرك).. مما جعل باقي زوجات أخوتها يخرجن مسرعات للغرفة المجاورة..وأما باقي إخوتها فكانوا يريدون إقناعها بأنها هي التي ينبغي عليها أن تبقي معه ومع أمها بحجة أنها بلا رجل ولا مسئوليات وهي الأحق بالصرف علي والدها المريض..فقالت لهم:  هل قلت لكم سأسكن وحدي وسأترك البيت!؟ ..أردت منكم أن تساعدوني بالمال والسؤال علي والدكم الذي يسأل عنكم كلما رآني..

وضاقت بها الدنيا وصرخت في وجوههم.. أنا عانس وعمري وصل لـ 39 عاماً.. ولكن لست مجبرة لأخذ وظيفتكم أمام الله في حق رعاية والديكم.

وتابعت حديثها.. بأن كلام تلك المرأة لم يزعجها وإنما تصرفكم معي هو الذي جرحني..

قالت (س):  «نعم أني عانس يا مرت خوي» ، ولكن هذه العانس هي التي زوجتك لأخيها ودفعت مصاريف عرسك وهي التي تلبس أطفالك وهي التي إلى هذه اللحظة التي أخرجت فيها السم من فمك تصرف عليك وعلي أطفالك وهي التي تقدر أن ترجعك لبيت أهلك..فأغلق فمك ولا تتدخلي في أمورنا العائلية.

ونظرت لأخواتها وقالت لهن (الباين عجبكم كلامها وهذا علاش ما ردت وحدة منكم عليها) .. وما أن اكتمل آخر حرف من آخر كلمة حتى بدأ النقيق والعراك بينهن وبين زوجة أخيهم دون أن يتدخل أحد..

وتركت (س) المكان ودخلت غرفتها وأغلقت بابها بالمفتاح..وجلست علي سريرها تبكي وتشكو إلى الله حالها وتعاتب نفسها، ما الذي فعلته حتى توضع حياتها ومعاناتها علي لسان تلك اللعينة.

هبة محمد الحاجي..أخصائية اجتماعية

ـ فتاة عانس .. تموت تدفن في حياتها تحرم من كل أسباب الراحة، يكفي ما تعانيه من الناحية النفسية.. شعورها بالنقص عن باقي الفتيات المتزوجات، تفكيرها بأنها لن تكوّن عائلة لن تنجب أطفالاً ..كيف ردها وهي في سن الأربعين أو الخمسين عند مناداتها بالمدام وهي آنسة.. الضغط الذي تعيشه في البيت من قبل زوجة الأخ ومعاملتها كخادمة تهتم بأبنائها والسبب لأنها عانس وليس وراءها ما يشغلها.

ـ حالتها الاجتماعية خصوصاً عندما تكون ذات شخصية ضعيفة لن تستطيع التعامل مع الآخرين بسبب هذا الموضوع.. وأنها ليست فتاة طبيعية وذلك لأنها لم تتزوج ..أحيانا قد تتعرض مع التقدم في العمر للاكتئاب والانطواء وعدم الرغبة في الاختلاط مع الآخرين..

ـ هل يجب أن تُدمر حياتها بسبب كلمة أطلقها المجتمع عليها!؟..وهل يحكم عليها بسبب عدم طرق العرسان بابها لأنها سيئة أو قبيحة الشكل أو سليطة اللسان أو…الخ .. نعم يمكننا إطلاق الأحكام والمسميات جُزافاً وإلي مالا نهاية ولنا الحق في إطلاقها والسبب أنها عانس، أرحموها من كلماتكم المقيتة  والجارحة ..يكفي ما تعانيه من المشاكل داخل المنزل من تحكم إخونها فيها وجعلها خادمة لهم ولزوجاتهم..

ـ ليس لكم الحق في إلغاء شخصيتها وفرض ما لا تريده فقط لأنها لم تتزوج بعد، إنها ربما تكون ابنتك أو خالتك أو عمتك أو أختك التي كانت تغسل ثيابك وتطهو لك غذاءك، إنها الحنون التي تتمنى لك السعادة، إنها أمك الثانية التي من المفترض ألا تكسرها أو تجرحها لترضي زوجتك..

ـ وكأخصائية اجتماعية دائما أدعم دراسة الفتاة والعمل وتطويرها لذاتها لتكون لها شخصية مستقلة وشجاعة لمواجهة المجتمع بجميع تناقضاته..

الزواج قسمة ونصيب من الله قد لا يكتبه الله لها في حياتها، أو ربما تتزوج وتنجب أطفالاً، ولكن بنفس الوقت قد تعيش في جحيم مع زوجها وتصبح مطلقة ..فما فائدة هذا الزواج؟!.. ومجتمعنا ينظر للفتاة وكأنها السبب في انتشار ظاهرة العنوسة وليس الرجل، وذلك بسبب كثرة متطلباتها، أو أنها ليست جميلة أو لأسباب أخرى.

شاهد أيضاً

بلدي زليتن يناقش إزالة التعديات على خط الغاز

ناقش عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، آليات إزالة التعديات على خط الغاز الممتد من مصنع …