مفتاح المصباحي
يتحلّقون في الزوايا المُظلمة لبعض المقاهي، تتناثر بينهم أكواب القهوة مليئةً بأعقاب السجائر، وسُحب الدخان تُحلَّق فوق رؤوسهم الجوفاء، يلوكون مفردات لا تنتمي للغة أو كتاب مُنزل، تقطعها ضحكات هستيرية..
هذا المشهد صار مألوفاً في كثير من مدن البلاد، وداخل بعض مقاهيها، حتى تظن أن أولئك الجالسون، لا مسؤوليات لديهم، ولا واجبات عليهم..
وإن سألت عنهم، أجابوك أنهم مثقفون، أو كما تحب نرجسيتهم أن يُدعوا بالنُخب المثقفة..
هؤلاء الغارقون في عالم الخيال اللا متناهي، لا يشعرون بما يجري حولهم، وعلى بُعد خطوات منهم، داخل المجتمع الغارق في ظلمات أورثها فيه، ما لحقه من استعمار وما تلاه من استدمار..
قاسمهم المشترك، الذي صار مميِّزاً لهم عن باقي فئات المجتمع، هي تلك القبعة “الشيشليانية”، التي ظنَّ من وضعها على رأسه، أنه أصبح مُثقفاً جهبذاً نخبوياً..
كتاباتهم خليطٌ من طلاسم، تكوّنت من خلطات عجيبة من جميع ألسنة البشر، لا تستطيع فك رموزها، ولن تصل إلى الفكرة فيها، ولو امتطيت البُراق..
إن ناقشت أحدهم في قضية مجتمعية، تجده يصف المجنمع بالتخلّف والجهل، وأن مستوى تفكيره ونخبويته، تأبى النزول عن برجها العاجي..
المثقفون في كل بلاد العالم، يرتقون إلى درجة القداسة، بأفكارهم التنويرية، حتى صاروا قادةً للفكر، يتلمسون لمجتمعاتهم طريق الرقي والتقدّم، وينيرون دروب الوعي الجمعي، ليصبح المجتمع بكل فئاته أكثر تماسكاً، وحرصاً على النجاح..
المثقفون الحقيقيون هم من وجهوا شعوبهم للتغيير الأفضل، بكتاباتهم ونقاشهم، والغوص في أعماق المجتمع، لإصلاح الفاسد فيه، وتقويم المعوج، ونشر التصالح مع الذات قبل الآخر، حتى يمكن للجميع أن يساهموا في بناء أوطانهم..
أما ما يحدث في بلادنا، فهو استمراء للوهم، وتورّم للأنا، حتى عميَ أولئك الكُسالى عمَّا يغرقون فيه من وحل..