منصة الصباح

في متاهات القول

محمد الهادي الجزيري

 

 

أوّل مرّة رأيتها فيها ..كانت في أمسية في الرباط ووفت بوعدها وحضرت ..ثمّ تتالت المناسبات في المغرب وفي تونس وظلّت صديقة عزيزة لي ..أحدّثها من حين إلى آخر على الفيسبوك وأتبادل معها أخبار الحياة …، تلك هي الدكتورة العالية ماء العينين ..متواضعة منشرحة بهية مع الجميع ..، واليوم وصلني كتابها الصادر حديثا والمعنون ” في متاهات القول ـ قراءات نقدية ” ولكم يسرّني أن أتنزّه فيه وأقتطف منه زهورا قدر ما أستطيع ..

تصدّى لتقديم الكتاب الدكتور الحبيب الدايم ربي وبيّن اختلاف النصوص وتباين أجناسها المقروءة في الشكل والمضمون ، ومن فرط إعجابي بفطنته وشدّة وعيه وجودة قراءته لهذا المتن العالي أورد بعض ما حبّره عن متاهات القول :

” تتخلّله وقفات عند شخوص ونصوص : فهذا مثلا عبد الفتاح كيليطو المفتون ” بالليالي ” ” والمقامات ” ” واللزوميات ” وكتب التراث ، وتلك فاطمة المرنيسي المفككة للأنساق الأبيسية وقيم الاستعباد والحريم ..، وكما يحضر محمد شكري في عزلته القسرية يطلّ عبد اللطيف اللعبي من تجاعيد القصائد والحياة ، وفي الممشى روائيون وقصاصون وشعراء تعدّدت تجاربهم والأجيال ..” وبهذا تكثيف المركّز لخّص لنا المقدّم هذا الكتاب ..وصار لكلّ قارئ هدف خاص به ..

وما دمنا نتحدّث عن الأهداف فإليكم أوّل هدف وغاية لي ..، وهو كتاب عالمة الاجتماع المغربية ، الراحلة فاطمة المرنيسي التي تتساءل : هل نحن محصّنون ضدّ الحريم ؟ وتتطرق فيه إلى نظرة الرجل إلى المرأة قديما وحديثا..فاضحة ” للحريم الذهني ” الذي يمارسه الرجال على النساء ..، وكما تقول عنها الدكتورة العالية ماء العينين ” تنطلق في مجاهل البحث متحرّرة من آية خلفيات أو أفكار مسبقة أو نوازع إيدولوجية ” وثمّة فقرة ساخرة مقتطعة من الكتاب تنمّ عن السخرية المتفكّهة لفاطمة المرنيسي :

” بطن الرجل قد يتكوّر قليلا دون مشاكل ، ويترهّل من هنا وهناك على غرار المستشار الألماني السابق هلموت كول ، كما يرمز اكتنازه إلى السلطة ، يستطيع الرجل أن يهرم دون الإصابة بعقد نفسية ، لأنّ الشيب على الصدغين يمثّل قمّة الإغراء ، أمّا المرأة التي تجازف بعدم تخصيب شعرها الشائب وتكتنف وتمتلئ مع تقدّمها في السنّ ، فهي البشاعة بذاتها..، وهنا تقع المرأة الغربية في مأزق حقيقيّ “..وهذا الكلام ينطبق على المرأة مهما كان أصلها أو عرقها أو دينها …..، ورحم الله السيدة فاطمة المرنيسي …

 

محمد شكري أكثر من كاتب منفلت حدّ الجنون ..، تربطني بهذا الرجل ذكريات شبابي وما كتبه مثل الخبز الحافي والشطار والخيمة وغيرها من الرسائل والكتب ..، ولا يسعني إلاّ أن أشكر العالية ماء العينين على التفاتها إلى رسائله المستشفائية في خاتمة كتابها ..، وأجمل ما تورد هوسه بالكتابة والقراءة في مستشفى الأمراض العقلية  ..، وهذه لعمري ميزة كلّ أديب مصاب بداء الإبداع ، نقرأ للعالية :

” أوّل ما يثير الانتباه ، أنّ هذه الرسائل يومية ، عكس ما كانت عليه قبل ذلك ، فبينما يقول في آخر رسالة قبل المستشفى ” منذ شهرين لم أكتب سوى خواطر “، يقول في أوّل رسالة في داخله ، ضمّها الكتاب ” الإحساس بالكتابة بدأ يغزوني في هذا المستشفى ” نفس الشيء بالنسبة للقراءة والتي تحضر في كلّ الرسائل تقريبا ، رواية ” زمن الصمت ” للطبيب النفسانيّ لويس مارتان ، ” لوف ستوري ” والشعر …”

 

ختاما لهذه الإطلالة على كتاب ” في متاهات القول ” للدكتورة العالية ماء العينين التي اقتحمت نصوصا مختلفة الأغراض والمذاهب ..سلاحها المعرفة وديدنها البحث ..وإنّ قارئ هذا المتن الشيق العميق ..لخارج بالفائدة والمتعة ….

شاهد أيضاً

الروايات بخوتْ

جمعة بوكليب زايد…ناقص حين صدرتْ روايته الأولى(خبزُ على طاولة الخَال ميلاد) منذ سنوات قليلة مضت، صار …