حمزة جبودة
لم يأتي بأي جديد، قصة ممزوجة بمعالجة درامية ضعيفة، واستهلاك معتاد لرؤية المؤسسة العسكرية المصرية حول أبرز وأهم الأحداث الدموية والسياسية بشكلٍ عام.
ولأن القصة بدأت وانتهت في ليبيا، حاولت مشاهدة فيلم “السِّرب” وأنا انتظر أي جديد يجعلني انتبه لكل مشهد في الفيلم، الذي بدأت أحداثه في درنة وسرت وفي مصر داخل جهاز المخابرات العامة.
اللهجة الليبية والديكورات في المواقع التي من المفترض تكون في ليبيا ضمن المَشاهد الرئيسية في الفيلم، ليس لها علاقة بالواقع لا من قريب أو بعيد. والأسوأ في كل هذا، أن صُنَّاع الفيلم لم يجتهدوا حتى في معرفة وإتقان اللهجة الليبية. وهذا خطأ فادح خاصة وأن مصر ليست في قارة أخرى أو بعيدة عن ليبيا، بل دولة جارة، ولهذا السبب كان المتوقع الاهتمام أكثر بالتفاصيل الجوهرية.
لماذا هو خطأ فادح؟
لأن أحداث الفيلم معتمدة أساسًا على الجغرافيا الليبية وطبيعة تكوين مجتمعها من ناحية اللهجات في المنطقة الشرقية والتي تتميز كل مدينة ومنطقة فيها عن الأخرى.
غاب عن صُنّاع فيلم “السرب” أن الليبيين والليبيات أيضًا معنيين بالفيلم، وكانوا متعاطفين مع أسر الضحايا الأقباط، وأن تلك الفترات تحديدًا كانت محورية ومفصلية في تاريخ بلدهم الحديث. وكان يجب التركيز أكثر على كل مشهد يتم تصويره داخل ليبيا.
وإذا راجعنا تسلسل الأحداث في الفيلم، سنكتشف أن المشاهد الرئيسية والمهمة كلها في ليبيا باعتبارها العنصر الأساسي لقصة الفيلم، ومع هذا تمت معالجة كل المشاهد بطريقة توضح عدم فهم صنّاع الفيلم للثقافة الليبية بشكل عام.
أتفهم بالطبع أن الفيلم موجّه للجمهور المصري بالدرجة الأولى، وهذا الجمهور ليس غريبا عن ليبيا وطبيعتها الجغرافية والثقافية والاجتماعية. هو جمهور لديه تواصل دائم ويومي مع ليبيا في شتَّى المجالات، بمعنى أوضح وأدق، أن هذا الجمهور لن يشعر بأي غرابة أو يستعصي عليه فهم اللهجة الليبية وطريقة نُطقها بشكلٍ سليم. وهذا كان سيُحسب لصنّاع الفيلم، لو أنهم اجتهدوا أكثر مع الرؤية الدرامية ومعالجة السيناريو.
وعرض الفيلم، يأتي بعد عرض مسلسل “مليحة” الذي عُرض ضمن الموسم الرمضاني الماضي، ويتناول قصة عائلة فلسطينية هربت من بنغازي إلى مصر بعد اندلاع الثورة وسيطرة الجماعات المسلحة، وهو أيضًا لا يختلف عن رؤية فيلم “السرب” في إهمال العناصر الأساسية للعمل الفني ومن أبرزها إظهار مدينة بنغازي في المسلسل وكأنها في كوكب مختلف، لا علاقة لها بواقع بنغازي لا قديمًا ولا حتى حديثًا، وحتى اللهجة الليبية في العمل الدرامي حدّث ولا حرج، لا علاقة لها بالثقافة الليبية، وكانت أشبه بالمسخ المركّب بمفردات ركيكة لا ترتقي إلى فكرة المسلسل الرئيسية.
في نهاية الأمر، كل دولة وكل مؤسسة لها سرديتها الخاصة لأي حدث سياسي أو غيره، ويقع اللوم أيضًا على المؤسسات المعنية في ليبيا، من جهات حكومية وخاصة، بسبب عدم اهتمامها بالأحداث الدامية طيلة سنوات في ليبيا، وكل ما عُرض حتى الآن لا يمكن تسميته بالعمل الفني الليبي الذي يجمع كل الليبيين والليبيات، إنما أعمال فنية خاصة لا تجمع كل الليبيين والليبيات عليها.
متى نروي قصتنا بأنفسنا؟
الحادثة الدموية في ذبح الأقباط في ليبيا، لم تعُد قصة ليبية خاصة، بسبب تعدد الأطراف والجهات داخلها، لكنها في نهاية المطاف وقعت داخل أرضنا، ويجب أن لا نغفلها وأن نعمل على طرح سرديتنا الليبية الخاصة، في أن الحادثة هزّت كل ليبيا التي تضامنت مع أسر الضحايا والشعب المصري. والأهم أن نبدأ في صناعة فنية حقيقية بدعم حكومي وخاص، عبر مشاريع مأخوذة من قصص حقيقية تروي المآسي الإنسانية بالدرجة الأولى ثم تنتقل إلى القصص المعروفة والتي شغلت الرأي العام في الداخل والخارج.