وجهة نظر
بقلم / د. طه بعــرة – أستــاذ القــــانون
بموجب الكتاب رقم (2374) المؤرخ في 28 نوفمبر 2018م، أصدر مدير الإدارة العامة للشؤون الفنية بمصلحة الجمارك، تعليماته إلى مدراء المديريات الجمركية الليبية، بشأن عدم السماح بدخول السلع والبضائع التجارية إلا وفقاً لأساليب الدفع المعتمدة من مصرف ليبيا المركزي، وذلك ابتداء من 01 فبراير 2019م.
إستند مدير الادارة الفنية في كتابه المشار إليه إلى قرار مجلس الوزراء رقم (188) لسنة 2012م بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للكتاب الثامن من قانون النشاط الإقتصادي رقم (23) لسنة 2010م المنظم لأحكام التصدير والإستيراد.
بتاريخ 17 يونيو 2019م (بعد حوالي خمسة أشهر) أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني القرار رقم (707) لسنة 2019م، القاضي بتمديد فترة العمل بالسماح بإستيراد السلع والبضائع غير المحظور إستيرادها، بدون قيد تحويل العملة من خلال مصرف ليبيا المركزي وغيره من المصارف.
بتاريخ 09 يناير 2020م أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني القرار رقم (2) لسنة 2020م، القاضي بتمديد فترة العمل بالسماح بإستيراد السلع والبضائع غير المحظور إستيرادها، بدون قيد تحويل العملة من خلال مصرف ليبيا المركزي وغيره من المصارف، المقررة بموجب القرار رقم (707) لسنة 2019م وذلك لمدة سنة تبدأ من تاريخ 01 يناير 2020م.
بتاريخ 13 يناير 2020م أصدر وزير المالية المفوض بحكومة الوفاق الوطني تعليماته إلى مدير عام مصلحة الجمارك، بشأن ارجاء تعميم القرار السابق بشأن تمديد فترة السماح بإستيراد السلع والبضائع بدون قيد تحويل العملة، إلى حين التشاور مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
كل هذه الكتب والقرارات تطرح عدة أسئلة وتوصلنا لعدة أجوبة وتناقضات.
فإذا كانت المادة (1201) من القانون رقم (23) لسنة 2010م بشأن النشاط التجاري، قد نصت على أنه يجب أن تتم عمليات الدفع المتعلقة بالتصدير والإستيراد وفقاً للطرق المصرفية المعتمدة، فما الداعي لإعادة إقرار هذا النص بموجب كتاب مدير إدارة الشئون الفنية.
وإذا كانت إدارة الشؤون الفنية بمصلحة الجمارك حريصة على إنفاذ القانون، فأين هي من تطبيقه من إصدار القانون رقم (23) لسنة 2010م بشأن النشاط التجاري، أو كحد أدنى منذ إصدار اللائحة التنفيذية للكتاب الثامن بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (188) لسنة 2012م.
وإذا كان التسلسل الهرمي للتشريعي يقتضي عدم مخالفة التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، فكيف للسلطة التنفيذية متمثلة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أن تصدر قرارتها المتكررة بتجميد نص القانون ونص اللائحة التي تفرض أن يتم الإستيراد عبر القنوات المصرفية الرسمية.
وإذا كان لجوء المستورد إلى السوق الموازي يؤدي به إلى الوقع تحت طائلة جريمة التعامل بالنقد الأجنبي خارج إطار القنوات الرسمية للدولة، المنصوص عليها في المواد (46 ، 105) من القانون رقم (1) لسنة 2005م بشأن المصارف وتعديلاته، فكيف له بتغطية قيمة وارداته الأجنبية والتي تدخل الى الدولة عبر منافذها الرسمية وهي مجهولة قناة الدفع.
وإذا كان التاجر الفرد قد رخص له من قبل وزارة الإقتصاد والصناعة بممارسة نشاطه التجاري، فما المانع ضمان حقه في إجراء عملياته التجارية عبر القنوات الرسمية.
وإذا كان من حق كل شخص طبيعي أو معنوي تحويل ما يملكه من نقد أجنبي خارج ليبيا وفق المواد (41 ، 44) من القانون رقم (5) لسند 2005م بشأن المصارف وتعديلاته، عبر المصارف التجارية الخاضعة لإشراف ورقابة مصرف ليبيا المركزي، فما الذي منع الأخير من إعادة تنظيمها إسوة بخدمة الإعتمادات المستندية، التي أعاد تنظيمها بعد إبرام اتفاق الإصلاحات الإقتصادية في 18 من سبتمبر 2018م.
كل ذلك التشوه والتناقض يلتقي في نقطة توافق واحدة، ألا وهي تعطيل نص القانون وعدم وجود تناغم بين أجهزة الدولة الواحدة، ليتحمل وزر ذلك التاجر بشكل المباشر، ومنه إلى المواطن المستهلك بشكل غير مباشر.
ولا مجال لفك كل ذلك التشابك إلا بدعم قرار وزير المالية المفوض بشأن تجميد العمل بقرار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ودعم جهود وزارة الإقتصاد والصناعة بشأن مناشدة مصرف ليبيا المركزي فتح باب الحوالات الخارجية المباشرة لجميع التجار، ودعم إنفاذ القانون بحظر استيراد السلع والبضائع إلا عبر القنوات الرسمية المتمثلة في المصارف التجارية العاملة بليبيا.