فرنسا تخوض معارك دونكيشوتية
بقلم: علي الدلالي
بات الكثير من كبار الدبلوماسيين والسياسيين الفرنسيين إلى جانب قادة وسائل الإعلام في فرنسا ورؤساء كبريات الشركات الفرنسية يشعرون بالأسى أمام حالة الوهن والعجز التي أصابت دوائر صنع القرار الفرنسي وتراجع الدور الفرنسي على الساحة الدولية وتخبط “الكاي دورساي”، (الخارجية الفرنسية)، أمام المتغيرات الدولية المتسارعة وتفكك المنظومات الجيوسياسية الدولية القديمة وصحوة مناطق النفوذ التقليدية وتمردها على النيوكولونيالية.
حالة الوهن الدبلوماسي والسياسي والعسكري وإلى حد ما الاقتصادي التي غرقت فيها فرنسا بدأت مع وصول نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزيه ثم جاءت خمسية فرانسوا أولاند شبه الميتة الأمر الذي اضطره لعدم الترشح لولاية ثانية ما فتح الباب أمام أمانويل ماكرون الذي جعل فرنسا تتخبط في الداخل وتتقهقر في الخارج وتفقد ثقلها في صنع القرار الأوروبي لصالح برلين حيث شبه أحد المعلقين السياسيين على أثير إذاعة فرنسا الدولية انتقال صناعة القرار الأوروبي من باريس إلى برلين بانتقال القرار العربي من القاهرة إلى بعض عواصم دول الخليج النفطية.
ويرى مراقبون للشأن الفرنسي أن حالة الوهن والعجز السياسي والدبلوماسي في فرنسا اليوم هي الأشد منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958 في عهد الجنرال شارل ديغول والتي استمر توهجها في عهد “الكبار” مثل جورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك الذين سكنوا قصر الأليزيه إلا أن التقهقر بدأ ينخر الدور الفرنسي المستقل إلى حد كبير منذ وصول ساركوزي إلى سدة الحكم في الأليزيه وتفاقم مع ماكرون.
خسرت فرنسا في ليبيا عسكريا بسبب رهانات وزير الدفاع في عهد أولاند، ثم وزير الخارجية في الخمسية الأولى لـ ماكرون، جون إيف لودريان، وحساباته الخاطئة، وخسرت عسكريا وسياسيا في مالي وفي أفريقيا الوسطى، وتم إنزال علمها في بوركينا فاسو السبت الماضي وتمزيق اتفاقها العسكري مع واغادوغو، وها هي اليوم تفتعل معارك “دونكيشوتية” مع المغرب مدفوعة فيما يبدو بالغيرة والحسد، لإضعاف الرباط من خلال تشويهها وفق تصريحات لسفير فرنسي سابق لدى المغرب نقلها موقع ” Maghreb –Intelligence” الفرنسي، وهي معارك ستخسرها لا محالة.
يقول الموقع الفرنسي إن المخابرات الفرنسية، التي يقودها منذ حوالي 6 سنوات، الدبلوماسي المخضرم، بارنار أيمياي، ترى أن النهضة التي يشهدها المغرب والتي تشبه إلى حد كبير نموذج النهضة التركي، تشكل إزعاجا لفرنسا. ويبدو أن إيمياي يستحضر اليوم، وفق الموقع، ذكريات مريرة عندما كان سفيرا لبلاده لدى تركيا بين 2007 و 2011 وعايش الصعود المذهل لورثة الإمبراطورية العثمانية.
لا شك أن فرنسا منزعجة جدا بل ومصدومة باقتحام المغرب، الذي أسس صناعات غذائية ودوائية هامة، وتطورا غير مسبوق في القارةالأفريقية، على مستوى البنيات الطرقية والملاحة الجوية والموانئ والمواصلات والإتصالات، وخدمات استراتيجية على أرضه، وقهر الفقر والتخلف، على خلفية استقرار على المستويات المؤسساتية والسياسية والإقتصادية منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش في المغرب عام 1999، للأسواق الأفريقية بدءاَ بمنطقة غرب أفريقيا أو ما يُسمى بـ “أفريقيا الفرنكفونية”، وهي من مناطق النفوذ التقليدية لفرنسا الإستعمارية والنيوكولونيالية، قبل أن يستهدف المغرب توسيع علاقات التعاون والشراكة مع دول شرق القارة وجنوبها في مجالات البنوك والتأمين والبناء والإتصالات والنقل الجوي حيث باتت الدار البيضاء، بحسب الموقع الفرنسي، أقرب إلى دكار وأبيدجان وليبرفيل من باريس
تخوض فرنسا في عهد “الهواة الصغار” الذين سكنوا قصر الأليزيه اليوم، معارك دونكيشوتية ليس مع طواحين الهواء التي تخيلها دون كيشوت شياطينا لها أذرع عملاقة فطرحته أرضا وكادت تقضي عليه وفق خيال الكاتب الروائي الإسباني “ميجيل دي سرفانتس”، بل مع الكثير من الدول العربية والأفريقية من بينها المغرب الذي تغير بتغير العالم وقرر تحقيق التنمية وبناء التقدم فوق أرضه بإرادته الحرة وترقية التعاون مع محيطه الأفريقي وهو ما سبب حالة من الهذيان والترنح لباريس لأنها ببساطة ترى الأمور على غير حقيقتها، ولجأت إلى دبلوماسية التحريض خلف الكواليس، واتخذت أعداء صورهم لها وهمها، ولن يكون بالتالي مصيرها، واقعيا، أفضل من دون كيشوت الذي سقط مهزوما على الأرض وأنفه في التراب، افتراضيا.