منصة الصباح

عن بن خيال واشياء أخرى

بوضوح

بقلم: عبد الرزاق الداهش

“قلمك ليس ملكك أنه ملكنا”.

خمسة كلمات ضمن رسالة من بضعة سطور، طيرت النوم من عيوني، في ليلة من الصمت، على مخدة من الاسئلة.

كنت اقول أن الكاتب ليس مقدما لبرنامج ما يطلبه المستمعون، وليس بقرة هولندية تذر حبرا.

ولكن وجدتني مكبلا امام خمسة كلمات، من قارئ غير معروف لكاتب متواضع مثلي، ربما لا يملك النصاب الكافي من القراء.

هل من حق القراء تأميم وليس تكميم قلم الكاتب، ليغلّب ما هو مسؤولية، على ما هو حرية؟

كان بعض الاطباء الاصدقاء قد تواصلوا معي منهم من يلوم، ومنهم من يحاول التوضيح حول جزئية في منشوري حول النظام الصحي في ليبيا، والذي لم يعد قادرا على تأمين العلاج المجاني الضروري للجميع.

لم يكن الدكتور بن خيال، هو الموضوع، وليس من عادتي الإساءة لكائن من يكون، فما بالك بجراح نراه أحد افضل جراحي المخ والاعصاب في شمال افريقيا، اذا لم يكن افضلهم.

وإذا كان قديح في كندا والخماس في امريكا، والمدهوني في ألمانيا وغيرهم من الاطباء الليبيين، هم سفراء العقل الليبي الجبار في العالم، فلابد  أن يكون المقهور وبن خيال وبن دلة وغيرهم هم سفراء الانسانية في ليبيا.

نحترم، ونقدر كل أطبائنا في الخارج، وفي الداخل أكثر، ونعرف حجم الظرف الضاغط عليهم.

ولكن ثمة جملة من الحقائق لابد أن نذكرها، أو لعلنا نذكر بها.

اسعار المصحات الخاصة مبالغ فيه جدا، والكثير من المصحات هي ملك لتجار لم يفتحوا سلخانات وفتحوا عيادات وتاجر الخردة لا يفرق بين مريض يعاني من التهاب مرارة، وزبون يبحث عن محرك مستعمل، فكلاهما في نظره فلوس.

المصحات الخاصة حتى في تونس ليست نظيفة كلها، وهناك من يحتفظ بجثة ميت في العناية الفائقة حتى يوم كامل على اساس انه حي، لرفع قيمة الفاتورة، ولكن  هناك مشافي خاصة في تونس، تستقبل مرضى بريطانيين، لاسعارها المفضلة من قبل شركات التأمين، مع جودة الخدمة.

منذ أعوام كان معدل التردد على المستشفيات، والمراكز الصحية العامة، يتخطى الثمانية مليون حالة تردد، الآن لا يتحقق حتى نصف المعدل، مرة غياب الطبيب، ومرة التمريض، ومرة الادوات، وغالبا الجميع.

مصاب في حادث سير بالليل لا يجد مستشفى عام، وفي مصحة خاصة يمتنعون عن قبوله، بدون 10 آلاف دينار ضمانة.

لابد من مراجعة للنظام الصحي في ليبيا، لتأمين العلاج الضروري للجميع، حتى لا يموت مواطن ليبي فقير، في بلد تشكل الثروة العامة (النفط) أكثر من نصف الناتج الاجمالي القومي، وأكثر من 90 بالمئة من دخلها بالنقد الاجنبي.

العلاج المجاني، والصحة العامة، نظام يمكن ان يصلح لكوبا، ولكنه لا يصلح لليبيا.

الحكومة تتكفل بتوفير تأمين طبي، والرعاية الاساسية، ومكافحة الامراض، والتفتيش والرقابة على الاداء العام.

والقطاع الخاص يتكفل بتقديم العلاج، بما في ذلك لمن يحتاج إلى مراكز متقدمة داخل ليبيا، أو خارجها.

أما مستشفيات عامة عاجزة، وهيئة تأمين طبي لا تعمل، وتلفيقة توطين العلاج بالداخل، ومصحات تعاني من الوزارة، واخرى تعاني الوزارة منها، هذا كله ينبغي ان نضعه وراء ظهورنا، ذات تفكير، في نظام صحي فعّال يكافئ العبقرية، ويلبي حق المريض في العلاج  المجاني الضروري، ويحسن الخدمة، ويقلل التكاليف على الدولة.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …