منصة الصباح

علبة الصحافة الحرة

بدون سقف 

بقلم : عبد الرزاق الداهش

عندما استوردنا علبة الصحافة الحرة من العالم الرأسمالي، نسينا أن نستورد معها الرأسمالية غير المشوهة، والتي تكونت في مجتمعاتها، عبر تراكم تاريخي لوسائل وعلاقات الانتاج.

تماما كما استوردنا، لفظ “الملكية الدستورية”، لنذبحه، ونسلخه في هذه المنطقة، التي نسميها العالم العربي.

ففي بريطانيا يعلن رئيس الوزراء الحرب في الليل، لتستمع الملكة اليزابيت في اليوم التالي أخبار المعارك، من خلال نشرات الأخبار، ومثل أي مواطن في المملكة.

أما في السعودية، فالملك هو رئيس الوزراء، وهو البرلمان، ورئيس المخابرات، ويتولى أفراد اسرته حكم حتى المناطق، في حالة تنتسب إلى القرون الوسطى.

لقد جرى اختزل حرية الصحافة، واستقلاليتها، في ملكيتها، وتبعا لهذا الفهم، فإن الصحافة المملوكة من قبل الأفراد هي حرة، بينما المملوكة من قبل الحكومة، أو حتى الدولة ليست حرة، نتيجة سوء النقل.

والمفارقة أن أعرق مؤسسة صحفية، في أعراق البلاد الرأسمالية هي هيئة الإذاعة البريطانية “البي بي سي” وهي مملوكة لمجلس العموم، وتمول من قبل دافع الضرائب البريطاني.

الحقيقة هناك فجوة واسعة بين سلوك رأس المال في عالمه الرأسمالي، وسلوكه في عالمنا، تجاه مهنة الصحافة.

في عالمهم الرأس مال صامت، لا علاقة له بالسياسة التحريرية، سواء كان هذا الرأس مال استثماري ربحي أو دور اجتماعي. أما لدينا فرأس المال، هو من يرسم خطوط طول وعرض السياسة الحريرية للمؤسسة الصحفية، والأسوأ أن هذا الراس مال هو سياسي.

ولهذا لم تكون الصحافة بين قوسين (الخاصة)، مستقلة بالمعنى المهني للكلمة، بل تحولت في الكثير من الأحيان إلى أقلام، أو افواه مفروشة للإيجار، أو مفروش للمانحين، ولكي نكون دقيقين،فهذا لا يعني بالطبع أن الصحافة الحكومة على “سنقة عشرة”.

والنتيجة هي ارتفع معدل الرقابة الذاتية، وهذه أسوأ أنواع الرقابة على الإطلاق، وسيجد الصحفي نفسه بين اضطرارين، إما تأمين مصدر رزقهم، أو تأمين مصدر خبره.

وتأسيسا على هذه الحقيقة فلا صحافة مستقلة بدون رأسمال صامت، ولا صحفي مستقل بدون دخل محترم، دون أن ننسى دائما الشروط المهنية للصحافة، وأخلاق هذه الصناعة، بيئة الصحافة.

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …