بعد نحو عشر سنوات من الاحتجاز، قرر القضاء اللبناني الإفراج عن هانيبال القذافي، بكفالة مالية ضخمة، في مشهد يشبه عدالة تفاوضية متدثرة بعباءة سياسية يديرها ميزان المصالح والحسابات العابرة للحدود والقارات، فاعتقال الرجل لم يستند إلى أسس قانونية واضحة، وكان عمره وقت اختفاء الإمام موسى الصدر لا يتجاوز العامين، ما يجعل القضية أقرب إلى ورقة ضغط سياسية منها إلى ملاحقة قضائية مشروعة.
جاء الإفراج المشروط بالكفالة وعدم السفر المؤقت، بعد فترة بسيطة من حدثين متتاليين؛ وفاة زياد تقي الدين، الشاهد الرئيسي في قضية التمويل الليبي لساركوزي، قبل يومين من صدور الحكم على الرئيس الفرنسي السابق بعد طول مماطلة. هذا التسلسلٌ يوحي بأن هناك خيطًا رفيعًا غير مرئي قد يربط بين كثير من الملفات والأحداث المتلاحقة والمتقاربة في تشابك ربما يصعب تفكيكه وتفسيره في ظل غياب أدلة ملموسة تخرجه من ضباب الفرضية إلى الإثبات الواقعي، ففي السياسة كل شيء قد يتم توظيفه واستثماره لإغلاق ملفات أو إعادة ترتيبها.
أعلن لبنان استقلاله منذ عقود، لكنه ما زال يدور في فلك الراعي التاريخي الفرنسي الذي يتدخل في أدق تفاصيله ضمن دور فرنسا في كامل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقضية “هانيبال” يمكن أن تكون نموذجًا على استغلال ساحة العدالة لتمرير رسائل أو لإبرام تسويات غير معلنة مغلفة بمشروعية شكلية، فتغدو الكفالة التعجيزية وسيلة لشراء الوقت السياسي وإبقاء الملف مفتوحًا كورقة للمقايضة أو الضغط مستقبلا، ويبدو أن ما يُدار في الكواليس أعمق مما يظهر في العلن، وستحتاج البراءة لجهود مضاعفة على كافة الصعد وهي الأخرى قد تأتي في إطار تسوية سياسية بنكهة قضائية، وتظل الحقيقة أسيرة الصفقات السياسية التي تضمن بقاء الفاعلين الأصليين في مأمن، إلى أن يحين وقت تسوية جديدة تُكتب بمداد النفوذ.
عقد من الزمن مرّ من عمر مواطن ليبي محتجزًا في (بلاد نساباته) بعد خطفه من سوريا التي تعاد صياغتها برئاسة الشرع، بمراعاة توازن المصالح الأمريكية، التركية، الفرنسية، الإيرانية، الروسية، الخليجية، والتطورات الجيوسياسية بالمنطقة، ثم فجأة ينال إفراجًا قضائيًا وإن كان مشروطًا، ما يطرح سؤالا: هل الهدف من الأصل كان معرفة حقيقة حادثة اختفاء موسى الصدر وكشف الفاعل الحقيقي ورائها؟