محمد الهادي الجزيري
كتبَ على سبيل التقديم خالد السحاتي الكاتب الشاب الليبي , كلمة توضيحية وأوردها في بداية المجموعة وإنّي أقتطع منها هذه الفقرة حيث يشرح دوافع كتابة مجموعة شواطئ الغربة ..وورد فيها :
« إنّها محاولات قصصية تحتفي بالغربة , بل تتخذ منها عنوانا عريضا لها , تتسلّل تلك الغربة بين ثنايا هذه المجموعة , وأجدني دون أن أشعر أكتب بقلم يتلمّس ملامح الغربة في كلّ شيء , يلاحقها بنهمٍ بالغ , يتربّص بها الدوائر .
ثمّ يسكبها بتؤدة أحيانا , ودفعة واحدة على عجل أحيانا أخرى في قوالب سرديّة منوّعة …» , وبعد هذا الفاصل التقديمي نمرّ إلى شواطئ الغربة ونقرؤها بحبّ ..
أولى قصة أثارتني هي « انتشاء « فعنوانها يعكس الصدمة الايجابية التي سيلقاها القارئ إثر هذه القصة القصيرة جدّا , وهي تتحدّث عن معلّم في تقاعده وشيخوخته فوق كرسيه الهزاز يطالع صورا قديمة .
وفجأة يرى نفسه في إحداها وهو يكرّم كمعلّم منذ ثلاثين عاما.., فتتحوّل القصة إلى لوحة سوداء ويجهش بالبكاء على ما فات وانقضى ..
يقول القاص :
« دقّق النظر فيها , صورته وهو يكرّم في عيد المعلّم , قبل ثلاثين عاما , انتشى فرحا , وامتلأت نفسه حبورا لم يلبث أن تحوّل إلى حزن قاتل .
ألقى الصور من يده , وشرع في بكاء طويل كطفل يتغنّج على أمّه لتعطيه قطعة حلوى ..»
محاولة لإدانة الحرب على لسان النبات .., كيف ذلك ? .
تخيّل القاص حوارا بين نبتة الزعتر وشجرة الكرز عن العالم المحيط بهما ..ترى هل يضمر لهما الشرّ أم ينوي الخير ..?
فيأتيهما الردّ من دبّابة كانت رابضة على مقربة منهما ..,عنوان القصة
« ندم» ونجح فيها خالد السحاتي في إدانة الاقتتال والتهافت على الأرض وما عليها من الكائن الجميل والمرعب ألا وهو الإنسان :
« سألت نبتة الزعتر شجرة الكرز بعفوية : هل يريد هؤلاء لنا الخير والسلام ?, أم أنّ نومنا في هدوء يزعجهم ?
أجابت شجرة الكرز بصوت خافت : اسألي تلك الدبابة القابعة هناك عند سفح الجبل …حملقت الدبابة في شجرة الكرز بشزر واضح , ثمّ أطلقت قذيفتها المثرثرة لتجيب عن السؤال بطريقتها الخاصة ..»
ثمة قصص كثيرة وفي مواضيع عديدة من مثل الشيخوخة وغدر الأبناء بوالدهم وإيوائه بدار المسنّنين ..
وتخيّل الحبيب لرؤية طيف من يحبّ بعد حسم الموت في الأمر..وشدّتني قصة بعنوان « هجرة « نظرا لطرحها لمسألة شائكة في المغرب العربي .
ألا وهي الهجرة غير الشرعية ..وكم عانينا وما زلنا نعاني من مصائب يومية .., فقوارب الفرار حكاية لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد .
والضحايا يغرقون ولا من مجيب .., في هذه القصة يشير خالد السحاتي إلى هذه المأساة اللعينة ..والتي حلّت بشبابنا وحتّى كهولنا :
ركب البحر في قارب متهالك , وكلّ أمله في الوصول إلى ضفة أخرى , علت أمواج البحر وتلاطمت فجأة .
تحطّم قاربهم , ودّع الحياة بأمل ممتدّ , وجدوا في جيب قميصه رسالة إلى أخيه ( مبللة بماء البحر وبالكاد تقرأ ) يقول فيها : « إذا فارقت الحياة فأخبر أبي بأني أحبّه , وأنّ الوطن سيعود يوما ”
اختتم هذه القراءة الخاطفة لمجموعة « شواطئ الغربة » بما انتهي إليه الأستاذ سالم العبّار في تقديمه لهذا المتن القصصي , يقول ملخّصا لكلمته :
« خالد السحاتي كاتب حذر , مقلّ في إنتاجه , يدرس خطواته بثبات , ويتحسّس أين يقف .
ما يعني أنّه ناقد قاس على نصوصه , احتراما منه لقارئه , ومن هنا يسعى دائما لتجاوز البدايات , وإنتاج المتفرّد والجديد .