منصة الصباح

شوارع أم فخاخ : كيف أغرق النحاس طرابلس !!

تقرير : طارق بريدعة

سرقة أغطية تصريف المياه والصرف الصحي في طرق وشوارع المدن والمناطق الليبية.

منذ عام 2011 إلى 2023

ربما كان على أحدنا أن يتزود بعينين إضافيتين أو طائرة درون، كي لا يسقط في هوة عميقة وهو يمضي في طريقه، هكذا وصف احدهم الطريق في ليبيا : متهكماً !! حفر بامكانها ابتلاع شاب بعضلات قوية ، بعد أن فقدت غرف تصريف المياه والصرف الصحي أغطيتها.

ظاهرة تكرست عاماً بعد آخر ،حتى أضحت من علامات واقعنا، تحمل مدلولات اجتماعية ومؤشرات اقتصادية، أما تبعاتها المباشرة مشاكل لا حصر, تبدأ باصابات كبيرة للسيارات وإطاراتها التي تقع في كمائن تلك الحفر, وليس انتهاءً بغرق مناطق بأكملها بعيد زخات أمطار قليلة ،أحالها انسداد غرف التصريف بالأوساخ والقناني البلاستيكية إلى مستنقعات تبتلع الطرقات والأزقة.

في وقت سابق أصدر محمد الحويج وزير الاقتصاد والتجارة قرار رقم 903 لسنة 2022، الصادر بتاريخ 04 أكتوبر 2022 ، بشأن حظر تصدير أغطية الصرف الصحي بمختلف أشكالها وأنواعها وعلى أي هيئة كان وذلك ضمن خطط الحد من سرقة أغطية قنوات تصريف مياه الأمطار والتي انتشرت بشكل كبير خلال المدة الماضية .

(عادة لها جذور)

سرقة أغطية مصارف المياه “سواء كانت أمطاراً أو صرفاً صحياً” ليست حديثة العهد, فلطالما قابلنا كرسياً منتصباً في وسط طريق رئيس ،لا لأن أحدهم ارتأى أن يستخدمه عرشاً يطالع به المنظر ،بل ليكون دلالة على أن حفرة قد وجدت طريقها لضوء الشمس ،فيحترس منها السائقون وينتبه لها المشاة.

(دوافع اقتصادية)

لكن الظاهرة اطردت في السنوات الأخيرة،تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة وتهلهل قبضة الدولة،فبات أغطية غرف الصرف الصحي وتصريف المياه من ضمن مبتدعات سوق الخردة،ونشطت تبعاً لذلك أنشطة “اقتصادية غير شرعية” كانت هذه الأغطية وقودها.

(رزق حكومة ربي يدوه !)

لكن رمي المسؤولية على المصاعب الاقتصادية لا يلغي مسبباً واجتماعياً، يرى في أملاك الدولة مشاعاً للمواطنين ،يمدون أيديهم إليها أنّى شاؤوا، تربحاً وتسلية، و”كله رزق حكومة ربي يدومه”.

هذه الثقافة المترسخة بجذورها في العقل الجمعي, تظهر بواكيرها في المدرسة والطفل الذي بدأ لتوه يتعلم الأبجدية يندفع للعبث بمقدرات مدرسته ويقفل إلى بيته عائداً ببعض منها – إن استطاع – دون أن يقابل برفض غاضب من أهله إلا فيما ندر
وقد يكون مدعى ذلك التصرف من الطفل رؤيته لأوليائه وهم ينقفون عليه من ممتلكات الدولة دونما غضاضة.

(حلول تستقى من الأسباب)

إزاء هذا التمازج الاقتصادي – الاجتماعي, لا يمكن للحلول إلا أن تستقى من المسببات، فيعمل على بذر ثقافة جديدة، تجعل من حرمة المال العام أشد وأمضى من نظيره الخاص، وترسخ في الأذهان أن لا نهضة ترتجى ومقدرات الدولة – صغيرها قبل كبيرها – سائبة وعرضة للنهب.

كذلك لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة بدون مقاربة اقتصادية،تنفض الغبار عن سوق العمل وتدفع الشباب نحوه، بسياسات تشجيعية،تحث على المشروعات الإنتاجية, وتميط عن جادة النشاط الاقتصادي مظاهر كبيع الخردة “أو تقننها وتضبطها”.

(مقاربة مخالفة)

أما الاكتفاء بالخطاب التوعوي المباشر فلن يجدي نفعاً، إذ كثيراً ما طرقنا هذا الباب ومنينا بخيبات متتالية، فظلت الدعوات الحكومية والتوجسات من استفحال ظاهرة سرقة أغطية غرف الصرف الصحي والمياه مجرد نداءات لا تجاوز حلوق مطلقيها, بينما ازدادت حالات السرقة فقئت أعين الطرق على مرأى ومسمع من الجميع، لنظل – وما نزال – نعاني من تبعات ذلك.

( المدن الأكثر تأثرا)

تؤكد الدراسات والاحصائيات الصادرة عن شركة المياه والصرف الصحي إن سرقة أغطية الصرف الصحي ترتكز بشكل خاص في المدن الكبرى مثل “ طرابلس وبنغازي وسبها “حسب ما افادنا به مكتب الاعلام بشركة المياه والصرف الصحي ، حيث تزداد الكثافة السكانية وتقل الرقابة. في هذه المناطق، يُعتبر فقدان الأغطية مصدرا للخطورة، حيث تزداد حوادث السير والمخاطر الصحية.

وتُباع الأغطية المسروقة في أسواق الخردة بأسعار تتراوح بين 5 إلى 20 دينار ليبي، اعتمادا على حالتها. وتشير التقديرات إلى أن مبيعات هذه السوق تتجاوز الآلاف من الدينارات شهريا، مما يبرز حجم التجارة غير المشروعة التي تنشط في هذا المجال.

وتشير الأدلة إلى أن السرقات تُنفذ من قبل عصابات منظمة وأفراد، حيث يتعاون البعض في التخطيط ويقوم آخرون بتنفيذ السرقات. يعتبر هذا النشاط جزءا من تجارة غير مشروعة يقودها بارونات يتاجرون في الخردة.

( التحديات القانونية) 

 تشير التقارير إلى أن عدد البلاغات عن السرقات منخفض مقارنة بحجم المشكلة. تُحال قضايا قليلة فقط إلى المحاكم، مع وجود أحكام سجنية تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات، مما يعكس ضعف النظام القضائي في التعامل مع هذه الجرائم.

وتؤدي هذه الظاهرة إلى خسائر اقتصادية كبيرة، تشمل تكاليف إصلاح الأضرار الناجمة عن فقدان الأغطية، بالإضافة إلى زيادة حوادث السير. كما أن فقدان الأغطية يسبب مشاكل صحية وبيئية، مما ينعكس سلبا على جودة الحياة في المجتمعات المحلية.  

وتُهرّب بعض الأغطية المسروقة إلى الخارج عبر الموانئ، مما يشير إلى وجود شبكة تهريب منظمة. تُعتبر هذه التجارة غير المشروعة تحديا كبيرا للأمن والاقتصاد الوطني، مما يستدعي التدخل العاجل من السلطات.
حيث تستدعي ظاهرة سرقة أغطية الصرف الصحي في ليبيا اهتماما عاجلًا من السلطات والمجتمع المدني. من الضروري تعزيز الوعي العام، وتطبيق عقوبات رادعة، وتحسين صيانة البنية التحتية. يتطلب الأمر جهودا مشتركة من جميع الأطراف المعنية لإنهاء هذه الظاهرة، وحماية شوارعنا من الجريمة وضمان سلامة المواطنين.

 (غياب العقاب جعلها تجارة مربحة ) 

يقول أحمد الساعدي الإهمال الحكومي وتأثيره على الظاهرة تعتبر ظاهرة سرقة أغطية الصرف الصحي في ليبيا نتيجة مباشرة للإهمال و لم تتمكن الحكومة من وضع خطط فعالة لحماية الممتلكات العامة. هذا الإهمال ساهم في خلق بيئة مشجعة للجريمة، حيث يشعر السارقون بأنهم لن يتعرضوا للعقاب. يتطلب الأمر من الدولة تحسين آليات المراقبة والضبط، وزيادة الوعي لدى المواطنين بأهمية الحفاظ على الممتلكات العامة.
ويضيف الساعدي ..وتعد مسؤولية المواطن في مواجهة هذه الظاهرة جزءا أساسيا من الحل. غياب الوعي المجتمعي والتعاون بين المواطنين والجهات الأمنية يسهم في استمرارية السرقات. يجب تشجيع المجتمع على الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، كما يجب تنظيم حملات توعية تُظهر آثار هذه السرقات على البنية التحتية والاقتصاد.
لماذا غرقت طرابلس ؟  

أفاد محمد كريم، المتحدث باسم شركة المياه والصرف الصحي، لمنصة الصباح، أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط شخص قام بسرقة 18 غطاءً لغرف تفتيش تصريف المياه في الطرق. حيث كان يبيع كل غطاء بمبلغ 20 ديناراً، رغم أن تكلفته الحقيقية تتراوح بين 400 و900 دينار.

وأوضح كريم أن سرقة أغطية غرف تصريف مياه الأمطار وتراكم الأتربة والقمامة فيها كانت من أبرز أسباب غرق مناطق طرابلس خلال فصل الشتاء، مما زاد من خطر تراكم المخلفات. وأشار في حديثه إلى أن عمليات السرقة شهدت زيادة ملحوظة في عام 2024، حيث تم تسجيل سرقة 287 غطاءً في المنطقة الوسطى، و680 غطاءً في المنطقة الشرقية، و220 غطاءً في المنطقة الغربية.  

كما كشف كريم أنه بين عامي 2021 و2023، تم سرقة أكثر من 5000 غطاء لتصريف مياه الأمطار وغرف التفتيش، بما في ذلك 700 غطاء من الطريق السريع في طرابلس. وأوضح أن وزن غطاء تصريف المياه يتراوح بين 15 و20 كيلوغراماً، في حين أن أغطية غرف التفتيش تزن بين 25 و30 كيلوغراماً، ليصل الوزن  الإجمالي المسروق إلى حوالي 112 طناً.
 

(ضرورة من الإجراءات الرادعة حيال الموضوع ) 

 أكد دكتور عاصم بكرة، مدير مستشفى شارع الزاوية، لمنصة الصباح أنه لا يمكن حصر أو تسجيل الحالات المصابة من السقوط  في حفر الصرف الصحي، رغم تكرارها بشكل يومي أو أسبوعي. وأعرب عن انزعاجه كمواطن قبل أن يكون طبيبًا من وجود غرف صرف صحي مفتوحة في كل مكان، سواء بسبب السرقة أو عدم الصيانة. وأشار إلى أن المشكلة تتفاقم في فصل الشتاء، عندما تغمر المياه الشوارع، مما يجعل الحفر غير واضحة لكبار السن والأطفال والنساء. وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأغطية، نظرًا للأضرار الكبيرة التي قد تترتب على ذلك.

 النحاس سبب رئيسي 

مواطن في شارع البلدية سألناه عن هذا الموضوع وأشار بيده أنظر لكل الحفر في وقت سابق كانت هناك أغطية الان فارغة ويضيف المواطن أبوبكر الاحمر . تزايدت في الآونة الأخيرة عمليات سرقة أغطية الصرف الصحي، حيث أدرك السارقون أن هذه الأغطية مصنوعة من النحاس الخالص، الذي ارتفعت أسعاره بشكل ملحوظ في السوق. تُستخدم هذه الأغطية في العديد من الصناعات، مما يجعلها هدفًا مغريًا للصوص.

شركة المياه والصرف الصحي تتحمل تكاليف باهظة لإعادة تركيب الأغطية المفقودة، حيث يصل ثمن كل غطاء إلى 400 دينار. ومع ذلك، يتم بيع الأغطية المسروقة بأسعار منخفضة، إذ يعرف المشترون تمامًا أنها ليست قانونية.

عند التجول في شوارع العاصمة، يمكن رؤية الحفر المفتوحة الناتجة عن هذه السرقات، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على سلامة المواطنين. الوضع يتطلب تحركًا عاجلًا من الجهات المعنية للتصدي لهذه الظاهرة وضمان أمان البنية التحتية. 

شاهد أيضاً

وزارة الثقافة الجزائرية تكرّم الطبال في مؤتمر السينما والذاكرة

كرّم وزير الثقافة والفنون الجزائري، السيد زهير بللو، الدكتور أمجد بشير الطبال، الأستاذ المحاضر بكلية …