استطلاع / عفاف التاورغي
كل فجرٍ ينهضون بصمت، يسبقون ضوء الشمس إلى الشوارع، يجرّون عرباتهم المتهالكة ويكنسون غبار مدنٍ أنهكها الإهمال.
تراهم بسترهم البرتقالية يزرعون النظام وسط الفوضى، لكنهم يعيشون واقعًا قاسيًا لا يليق بجهودهم رواتب لا تكفي قوت اليوم مع تأخير في صرفها، وحقوق ضاعت بين ركام البيروقراطية والمناكفات الإدارية.
إنها حكاية عمال شركات النظافة العامة الذين يطالبون بضم مرتباتهم إلى الباب الأول إسوة بغيرهم من موظفي القطاع العام، وأن تتنعم هذه المرتبات بنعيم الجدول الموحد.
راتب لا يكفي
أحد موظفي شركة الخدمات العامة «محمد السنوسي» تحدث بالتفصيل: ”راتبي لا يتجاوز 500 دينار، ومع ارتفاع الأسعار أصبح من الصعب تغطية أبسط متطلبات الحياة.
رغم أنني أعمل كل يوم لساعات طويلة في الشمس والغبار، إلا أن جهودي لا تُقابل بأي تقدير مادي.”

القصة من البداية لفهم أبعاد القصة جيدًا، طرقنا أبواب شركة الخدمات العامة ببنغازي، حيث قابلنا مدير مكتب الإعلام بالشركة «أحمد المسلاتي» الذي بادر بتوطئة تاريخية قال فيها:
كانت خدمات النظافة جزءًا من جهاز حماية البيئة، “قبل أن تتحول إلى شركات عامة، تتعاقد مع الدولة، على أن تُحتسب مخصصاتها وفق عدد السكان في كل مدينة.” ويضيف: بعد عودة العمل بنظام الإدارة المحلية اختلطت صلاحيات البلديات بالشركات، وأصبحت «الشيكات» تُعاد من دون غطاء مالي واضح، لتبدأ رحلة التيه الإداري والمالي.
قانون ظالم
ويرى «المسلاتي» أن قانون الإدارة المحلية يظلم شركات النظافة، لأنه لا يضم مرتباتهم إلى الباب الأول الخاص بالمرتبات رغم تبعيتهم للدولة، هذه المرتبات عالقة الآن بين البابين الأول والثالث… لا صلاحيات حقيقية كجهة عامة، ولا دعم كافٍ كشركة تجارية.” ترد على كافة الأصعدة يتنهد «المسلاتي» ثم يستمر في وصف المشاكل:

الإمكانات معدومة، فكل الآليات والمعدات مملوكة لجهاز التنمية والإعمار، والشركة لا تملك فعليًا شيئًا. نخدم المدن بإمكانات شبه معدومة.
معظم سيارات النقل متهالكة، والورش تعمل بقطع غيار مُعادة الاستخدام.
ومع ذلك، موظفونا لا يتوقفون عن العمل، لأنهم ببساطة يحبون مدينتهم.”
خطر القطاع الخاص
وعن جدوى دخول القطاع الخاص، يرفض «المسلاتي» هذا الحل، معللاً بأن القطاع سيادي واستراتيجي، لا يمكن أن يُترك للمقاولين، ويضيف: في دول مثل السويد وسويسرا، يمنع القانون الشركات الخاصة من دخول مجال النظافة حفاظًا على البيئة والمصلحة العامة.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية