محمد الهادي الجزيري
لكلّ كتاب أو متن أدبي أو معرفي حكاية تربطني به وهذا الكتاب هديّة من أديب فذّ غادرنا إلى العراق بعد أن عاش بيننا عمرا جميلا، وهو الكاتب الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي ، وضمن نشاطي القديم وأثناء حواري معه وتواصلي معه حول رحلته إلى بيروت حينها، فما كان منه إلاّ أن أهداني هذا الكتاب عربون محبّة ، فقبلته واثقا أنّه يضمّ صيدا وفيرا ..، وكان الأمر كذلك إذ فيه نبذة خاصة جدّا عن حياة الشاعر المكسيكي خايمي سا بينس…، وقد خضت فيه وهذا صيدي المتواضع …
ولد الشاعر سنة 1926 وأمضى طفولة رائعة في كنف والديه، علما أنّه كان يروي القصص والروايات التّي حملها معه والده من لبنان، الذي كان يردّد أغنيات شعبيّة ” كان يردّدها البناؤون في القرى وهم يشيّدون البيوت”، فهو إذن لبناني الأصل وكان أصغر إخوته وأكثرهم دلالا ، وأصبح أكثر شعراء المكسيك شهرة وشعبيّة في القرن العشرين…
” يقولون لي
عليك بالتمارين الرياضية لتنحف
وأنت على أبواب الخمسين
الدهن والدخان خطران كبيران
عليك أن تحافظ على تناسق الجسد
أن تحارب الزمن والشيخوخة.
خبراء صحّة وأطبّاء أصدقاء
يصفون لي حِمْيات غذائية لأطيل عمري
سنوات قليلة
أشكرهم من كلّ قلبي
لكنّي أضحك على هذه الوصفات العبثية
وعلى هذه الحمية
ويضحك الموت معي أيضا على كلّ هذه الأشياء..”
هذا القليل من فلسفة الحياة لدى هذا الشاعر الذي قال عنه مرّة أكتافيو باث
” أفضل شعراء الإسبانية المعاصرين ”
هذا الطفل المتهور الذي كان في مدرسته الابتدائية طالبا عاديّا ، لكنّه ما إن بلغ السنة السادسة الابتدائية حتّى بدأ الهرب من الصفّ للتنزّه على ضفاف نهر ” سابينال ” القريب، وحين كبر اعترف أنّه كاد يعيد سنته الدراسية بسبب هذا النهر، وفي عام 1949 التحق بكلّية الآداب والفلسفة في الجامعة الوطنية في مكسيكو، وأدرك أنّ الشعر قدره في تلك السنوات ، وأدرك أنّه شاعر محترف…
” قطعة من القمر
تغنيك عن الأطباء والمصحّات
وعندما يعجز الصغار عن النوم
يمكن أن تعطيهم القمر قطعة حلوى.
قطرات من القمر في عيون العجائز
تعينهم على الموت ميتة رضيّة ”
واضح السخرية الاستثنائية التي يزخر بها شعره، فهذا الشاعر يؤمن إلى الجنون بجدوى الحياة ، وكان ينصح أفراد عائلته قبيل وفاته عام 1999 ألا يحزنوا عليه وإنما أن يحتفلوا دائما بالحياة…، رأى خايمي أبناء مجتمعه طوال حياته يبحثون عن المعنى ويسقطون في القلق، رآهم ضائعين في متاهات شتّى ، يعانون ولا عزاء، يبحثون عن المقدّس ولا يجدونه ، فكتب عن كلّ ذلك بأسلوبه البسيط المميّز الذي ترى فيه جوانب من حياتك وتجربتك وأنت تقرؤه، فتشعر بأنّه ينبض حياة وروحا
” بنصف صوت أقول لك أشياء أخترعها
كلّ لحظة
بالفعل أكون حزينا ووحيدا
وأقبّلك كأنّك صورتك
وأنت صامتة تنظرين إليّ
تبكين دون دموع ، دون عيون ، دون خوف
وأعود إلى التدخين
بينما الأشياء حولنا تصغي إلى ما سكتنا عنه ”
النصّ العربي لهذا الكتاب قام به قيصر عفيف صاحب منشورات مجلّة الحركة الشعرية بالمكسيك ، وقد أكّد في مقدّمته أنّه عمد في ترجمة قصائد خايمي سابينس إلى الاستماع إلى القصيدة التي أنوي ترجمتها وأغفو على صوته يتردّد في مسمعي ، وأعمد في صباح اليوم التالي إلى ترجمتها وصوته يملؤني….