منصة الصباح

ما وراء سيدات الرغبي

ما وراء سيدات الرغبي

________

فتحية الجديدي

 

يحق لكل ليبي أن ينتقد أية مشاركة خارجية تمثل البلاد, ثم تسقط في فخ الظهور المخيب والنتائج السلبية, شريطة أن يضع في اعتباره عوامل عدة, على رأسها الاحتفاظ بقدر من الإنسانية في إبداء رأيه, والمنطقية في الطرح.

فجأة ودوم مقدمات طالعتنا منصات التواصل الاجتماعي بأخبار عن تعرض منتخب الرغبي “النسائي” لخسائر ثقيلة, أبان مشاركته في البطولة العربية بالإمارات.

وهكذا علم أغلبنا أن للعبة موطئ قدم في بلادنا, بل ووصل الأمر إلى تكوين منتخب نسائي.

كما تأكدنا أن التنمر بات ديدنا والسخرية من الآخرين هي أساس تعليقاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي, حيث لم يدخر الجميع جهداً في الاستهزاء باللاعبات, مكررين في كل حين الأهداف الغزيرة التي سجلت عليهن, دون أن يستطعن الرد بهدف وحيد.

وهنا أرى من الواجب تسليط الضوء على أمرين, الأول فني بحث يعنى بهذه الرياضة, فأنى لمنتخب نشأ لتوه, وبدا طري العود أن ينافس نظراءه المتمرسين, وكيف لمن لم يخبر البطولات الخارجين ولم يجربها أن ينتقل مباشرة من المهد إلى صنع الانتصارات الباهرة.

وإن كان لوم ينحى به, فالأولى أن يوجه للمسؤولين عن اللعبة, الذين اتخذوا قرار المشاركة دونما حسابات سابقة, و”خشوا على الجبل بقدومة”, متبعين منهج من سبقهم وقاد منتخبات الألعاب الأخرى إلى هزائم لا تقل قسوة عن هذه.

ثم ألم نتجرع هزائم ثقيلة في الألعاب الأخرى, لاسيما في البدايات, ألم يتلقى منتخب كرة القدم 10 أهداف من نظيره المصري في البطولة العربية بخمسينيات القرن الماضي, بل وقبل أشهر انقاد فريق الأهلي بنغازي إلى خسارة ثقيلة في البطولة العربية.

فلماذا كل هذا الهجوم القاسي و”غير الآدمي” في بعض أطواره, على منتخب سيدات “الرغبي”.

أربما بسبب آخر غير ذلك الإحساس بالحزن وربما الإهانة جراء الخيبات الرياضية ؟

ربما لأنه منتخب نساء, وهؤلاء مكانهن المطبخ والمنزل, بحسب كثيرين, وهذا ما يقودني على الجزئية الثاني في طرحي هذا.

أقول : ألم يأن للمنتقدين أن يعلموا أن الرياضة النسائية آخذة في الانتشار, سواء بتقبل مرتاداتها وممارساتها أو بدفع من الاتحادات الدولية, فها هو الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يشترط – بدءاً من الموسم القادم, تواجد فرق نسائية بالأندية الراغبة في المشاركة بالمسابقات المنضوية تحت لوائه.

كذلك, ما هو التضاد بين اللعب لمنتخب ما وأداء الواجبات المنزلية .. فلربما تكون نجمة في مجال وسيدة بيت ممتازة .. ما الذي يمنع ذلك.

وما زاد من إحساسي بالحزن تركيز كثيرين – وبعضهم أساتذة مختصون في الرياضة, على أشكال اللاعبات ووصف مشاركتهن بالعار, مكرسين ثقافة التخلف, التي تربط بين المشاركة الخارجية و”الأفعال غير الأخلاقية”.

وأخيراً, نعرج على معضلة التنمر, التي طفت على سطح منصات التواصل الاجتماعي بمظهرها القميء, وجعلت الكثيرين ينفرون من استخدام هذه المواقع.

متى يعلم الناس أو التعرض لشخوص الآخرين وأشكالهم التي حباها الله بها, ليست من الإنسانية في شيء ولا من المنطقية, فلم نختر مظهرنا لنحاسب عليه, ومن منا الذي يخلو من العيوب, فلماذا ننظر للقذى في عين أخينا ونغفل عن الخشبة المغروسة في أعيننا.

ومتى نعود لسلقيتنا الطيبة ونتبع النهج القرآني القائل “لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكون خيراً منهم”.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …