استطلاع / سعاد الفرجاني
تعيش السوق الليبية للسيارات مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب، بعد قفزات كبيرة في أسعار المركبات الجديدة والمستعملة، وتراجع القدرة الشرائية تحت ضغط تقلبات سعر الصرف والرسوم والضغوط الاقتصادية المتراكمة.
ولم يغيّر الغلاء الأسعار فقط، بل أعاد تشكيل السوق؛ إذ انحصر الطلب في السيارات الاقتصادية فيما جُمّدت خطط الشراء لدى كثيرين.
وفي هذا السياق، استطلعت «الصباح» آراء مسؤولين ومحللين وتجار ومواطنين لرصد أسباب الأزمة ومظاهرها في سوق السيارات الليبية.
حين يتعثّر الميزان

يشير العقيد فيصل محمد أبوسنينة، رئيس مكتب إحصاءات حوادث الطرق، إلى أن تقييم المركبات يعتمد أساسًا على الفحص الفني الإلزامي عند التسجيل الأول، لكنه يوضح أن المنظومة الحالية ما تزال أسيرة الأساليب التقليدية التي تكتفي بالمعاينة اليدوية.
هذه الآليات، كما يقول، تعجز عن كشف العيوب البنيوية والخفية في المركبات، فيما تظهر الفوارق الحقيقية في الجودة عند وقوع الحوادث فقط. ومن هنا، يدعو إلى تحديث شامل للفحص الفني ليكون قادرًا على حماية الطرق ومستخدميها.
تأكل القدرة الشرائية

ويرى المحلل الاقتصادي وحيد الجبو أن سوق السيارات تتنفس صعودًا وهبوطًا مع سعر الصرف، لأن ليبيا تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد.
ومع غياب الرقابة على الأسعار واتساع مساحة الفوضى التجارية، تضاعفت موجات الغلاء، في حين أضعفت أزمة الدينار وتضخم الدين العام قدرة الدولة على ضبط السوق.
وفي بيئة كهذه، تتسع هوامش استفادة بعض التجار على حساب جيب المواطن، بينما تتآكل القدرة الشرائية أمام اتساع فجوة الأسعار.
سوق تتأرجح

من داخل السوق، يصف هيثم مختار –صاحب معرض سيارات– حركة البيع بأنها رهينة الدولار في كل تفصيل.
فكل تغير في سعر الصرف ينعكس مباشرة على تكلفة الاستيراد وعلى أسعار المركبات داخل المعارض.
ويضيف أن الإقبال يكاد ينحصر اليوم في السيارات الاقتصادية، بينما تراجع الطلب على الفئات الحديثة أو الفاخرة حتى حدود الغياب، وهو ما زاد من حالة الجمود المسيطرة على السوق.
هامش الربح

أما عبدالرؤوف الزاوي، الذي يعمل خارج إطار المعارض الرسمية، فيشير إلى أن السوق تعتمد في جزء كبير منها على سيارات أوروبية قديمة بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، لكونها الأقرب إلى قدرة المستهلك.
وفي المقابل، تُنقل سيارات أحدث إلى دول الجوار بحثًا عن هامش ربح أكبر، ما يقلل المعروض داخل ليبيا ويرفع الأسعار ويعمّق الاختلال بين العرض والطلب.
بين الخيارات الضيقة

ويقول المواطن حمزة بلخير إن الأسعار باتت تثقل كاهل الأسر، خاصة في ظل تراجع الدخل وغياب الرقابة الحقيقية على السوق، ما أفسح المجال للمضاربة والسوق السوداء.
ويشير إلى أن السيارة، في واقع اليوم، لم تعد مجرد وسيلة نقل بقدر ما أصبحت مؤشرًا اقتصاديًا يعكس حجم الضغوط المعيشية التي يواجهها المواطن.
رفاهية بعيدة المدى

وتوضح كوثر الشويهدي، وهي معلمة تبحث عن سيارة صغيرة تناسب دخلها، أن الغلاء جعل امتلاك سيارة أمرًا يبدو بعيدًا، رغم أنها حاجة يومية وليست ترفًا.
وترى أن هذا الوضع يعكس أزمة اقتصادية أوسع تحدّ من قدرة المواطن على تأمين احتياجاته الأساسية، وعلى رأسها التنقل.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية