بقلم / علي مرعي
لا أعرف على وجه التحديد لماذا هناك نزعة مخالفة للمنطق عند كثير من الزعماء والسياسيين للبقاء في السلطة إلى مدد أطول من المعقول حتى ولو اضطرهم ذلك إلى تعديل الدساتير أو استحداث قوانين من شأنها أن تمكنهم من الاستمرار في الحكم كما يحدث في بعض البلدان وخاصة العربية منها.
حقيقة ، هناك استغراب واستهجان أن يبقى هذا الزعيم أو ذاك في الحكم لسنوات طويلة قد تمتد إلى ثلاثين أو أربعين سنة وأكثر ،وهذه المدد الطويلة إذا ما قارناها بالعمر الافتراضي للشخص لوجدنا أنها فترات طويلة جدا كان يمكن لأشخاص آخرين أن يتقلدوا هذا المنصب لو كان هناك أسس ديمقراطية حقيقية أو احترام للدساتير.
في كثير من دول العالم نجد أن القانون هو الذي يحدد الفترات الزمنية للرئيس والحكومة والمجلس النيابي ولا يسمح لهم بالتمديد إلا في حالات ينص عليها الدستور ، ولكن في بلدان أخرى نرى عكس ذلك ومنها بالطبع بعض بلداننا العربية الذي يبقى فيها الحاكم في السلطة إلى أن يموت أو أن
يتنحى في حالات المرض أو الشيخوخة أو الانقلابات ، ناهيك عن مسألة التوريث ، بمعنى أن يظل الحكم تحت إرادة العائلة الحاكمة أو المالكة .
إنها ثقافة الاستحواذ على السلطة ، بصرف النظر ما إذا كانت نابعة من مواد الدستور أم لا ، المهم أن من يكون على رأس السلطة لا يعد يرى من هو أقدر منه على تسيير شؤون الدولة ، ولا يوجد بديل في البلد بأكمله قادر على أن يشغل هذا المنصب.
ولكن علينا أن نطرح السؤال التالي : ما هي الأسباب المنطقية التي تدفع بالأشخاص للمكوث لفترات طويلة في الحكم ؟ هناك أسباب عديدة ويأتي في مقدمتها «الخلل» الموجود في الأشخاص أنفسهم ، والمجتمع ككل أيضا باعتبار أن مواقف المجتمع وردات فعله سلبية تجاه التجاوزات التي تحدث في النظام القائم، الأمر الذي يتيح لمن هو على رأس السلطة استغلال هذه السلبية وتسخيرها لمصلحته.
إن ثقافة التمسك بالسلطة في منطقتنا العربية ليست جديدة أو دخيلة ،فلو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن الدول الإسلامية والممالك والدويلات الصغيرة .
وضعت أسسا للسلطة المطلقة جعلت منه المركز وكل ما عاداه داخل المجتمع هو المحور الذي يدور في فلكها، مثل عامة الناس والمثقفين والمؤرخين ورجال الدين، بحيث كانت وظيفة هؤلاء بمنطق تلك الفترة هو الترويج للسلطة المطلقة والعمل على تثبيت أركانها ومدها بما تحتاجه من فتاو وشعارات، ويمكن إسقاط هذا الفعل على ما هو موجود حاليا باعتباره امتدادا لذلك الإرث السلطوي .
وحتى نكون منصفين في طرحنا، فإن احتكار السلطة من قبل الأشخاص لا تكمن فقط في الحكومات فقط ، بل تمتد أيضا إلى مؤسسات مدنية مثل الأحزاب والنقابات والاتحادات، فهي الأخرى يبقى فيها الرؤساء في مناصبهم لفترات طويلة من الزمن ولا يتحولون عنها إلا بالموت أو من خلال التمرد عليهم من قبل كوادرهم .
أمام هذا الواقع الذي تعيشه كثير من الدول ومنها العربية يستدعي تحركا شعبيا للتعبير عن رفضهم لسياسة التمسك بالسلطة .
وهذا ما نراه اليوم في بعض المجتمعات العربية في لبنان والعراق وغيرها ، ولكن السؤال هل تكتفي هذه الشعوب بالتنديد أو الاحتجاج فقط، أم عليها إعادة هيكلة السلطة من جديد وتحديد مدد زمنية محددة يتقيد بها رئيس الدولة ورئيس الحكومة وكل من يتقلد منصبا عاما .
بطبيعة الحال، على أي حراك شعبي أن لا يكتفي بالاحتجاج فقط ، بل عليه الضغط للخروج من هذه التركة السلطوية المقيتة التي ما أنتجت سوى الفقر والفساد وسرقة المال العام.