جمعة أبو كليب
————
الصدفةُ، التي نحرص عادة على وصفها بأنها خيرٌ من ألف ميعاد، قد لا تكون كذلك، وليس أفضل من ميعاد واحد، فما بالك بألف. خاصة إذا كانت السعادة الموصوفة فيها لصالح الطرف الآخر. هل تكون صدفة سعيدة، وخير من الف ميعاد، إذا كنتُ مثلاً مديناً بمال والتقيت بصاحبه بعد غياب طويل؟ السعادةُ المقصودةُ، تلك اللحظات الحرجة، من الممكن أن تتحقق وتكون لصالحك في حالة واحدة فقط، وهي إذا استجاب الله لدعائك في السرّ، بأن تنشق الأرض وتبتلعك.
لذلك، في رأيي، يظل الميعاد خيراً من ألف صدفة. لأنك تذهب متأهباً للميعاد، وعلى توقع لكل ما من شأنه أن يطرق من مواضيع. إن كان خيراً نُلته أوكان شراً تفاديته. الصدفةُ قد تأتي. ومن الممكن أن تكون سعيدة، كما توصف. لكن ليس دائماً. لأن الصدفَ بطبعها مختلفة. والخوف من أن تكون الصدفة التي تواتيك ، ليس مما ينطبق عليها وصف سعيدة. فماذا تفعل؟ هل تشتم المثل الذي يربط الصدف بالسعادة، أم أنك تعنّف نفسك على اختيارك السير في ذلك الطريق؟
الصدفُ التي من الممكن أن نصفها بالسعيدة قليلة في الواقع. ومكانها الحقيقي في الحكايات والقصص والروايات والافلام والمسلسلات التلفازية. أما في الواقع المعاش فإنها، في أغلب الأحيان، لاتكون سعيدة. لأنه ليس من شروط الصدف أن تكون سعيدة.
ومن الأفضل أن تتجنبها قدر الامكان، وألا تعتمد عليها كثيراً، ولا تضعها في دفاتر حساباتك، ولا تراهن عليها، إلاّ في حالة واحدة، وهي إذا كنتَ تصدق ما تراه في الأفلام الهندية أو المصرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أي سعادة ترتجى من لقاء صدوفوي بشخص تعرفه، ولم تره منذ ثلاثين عاماً؟ إذ من الممكن جداً أن تكون في طريقك لقاء مصلحة عائلية أو تجارية، وعلى عجل من أمرك، إذا بذلك الشخص يتعرف عليك، ويصافحك بحرارة. وحين تسأله من يكون، لأنّه من غير المتوقع أن تتعرف عليه فورياً، يجيبك بأنّه فلان أبن فلان وأمه فلانة بنت فلان، وكان جاراً لكم أوزميلاً لك في مدرسة لم تعد موجودة. فهل تترك ما أنت قاصد من عمل، أم تتظاهر بالفرح للقاء، ولا تنسى أن تقول كذباً صدفة سعيدة ياصديقي، وهي خير من ألف ميعاد؟
حتى وإن كان الكذب في المصالح يجوز، كما يؤكد على ذلك مثل شعبي، فإن كذبك تلك اللحظات لا يجوز، لأنّه ليس في مصلحة أحد. ولأنك كل ما تريده هو أن تتخلص من عبء اللقاء الصدوفوي، وتمضي إلى تكملة مشوارك، قبل أن يفوتك الوقت. هذه النوعية من اللقاءات الصدفوية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون سعيدة. وسبق أن جربتها كثيراً، ولم أعرف طريقة للتخلص منها إلا بمواجهة الموقف بجدّية، بأن أعلم الشخص، الذي لم أعد أعرفه بأنني مشغول، وأودعه بمثل اللامبالاة التي التقيته بها. وهذا يحدث، عادة، حتى في الحالات التي لا أكون فيها على عجل لقضاء أشغال. وصرت كلما سمعت شخصاً يردد أمامي بأن الصدفة خيرٌ من الف ميعاد، أقول في نفسي بل العكس هو الصحيح، وأن ميعاداً واحداً بعينين، أو حتى بعين واحدة خيرٌ من أي صدفة عمياء. إلا أني لأسباب كثيرة لا أجرؤ على الجهر برأيي لذلك الشخص، بل أواصل هزَّ رأسي موافقاً، ومردداً في داخلي، لا ضرر من ذلك ولا بأس. وفي الأخير، كما يقول مثل شعبي قديم: “الكذب في المصالح يجوز!!”