منصة الصباح

زِلِيتِنْ… عِدْ أَصْوَاتَكَ وَ ارِدْ الفُوْزْ

باختصار

د.علي عاشور

زليتن… مدينة تفاجئ جميع الليبيين، ولما لا؟ وهي تتصدر المشهد الانتخابي المحلي بعدد يفوق 46 ألف ناخب مسجل في سجل الناخبين، متجاوزة كل المدن والمناطق الليبية للانتخابات البلدية 2025، وكأنها تقول: “أنا جاهزة“.

وفي قلب هذا الزخم، تنشط القوائم المترشحة بتنظيم ملتقيات انتخابية كبيرة وضخمة، يلفت حضورها الأنظار بما تحمله من عروض وحشود وتجهيزات، رغم ما تتطلبه من تكاليف باهظة، في مشهد يكرس صورة المدينة كمركز جذب سياسي وانتخابي استثنائي.

46 ألف هو رقم لا يمكن اعتباره رقماً إحصائياً فقط، بل يجب أن يقرأ على أنه مؤشر وعي انتخابي بدأ يتشكل، وعلى رغبة مكبوتة منذ سنوات في التغيير والمشاركة، وهو رقم يدعو للفخر، ولكنه في الوقت ذاته يضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

اللافت هذه المرة، أن الساحة الانتخابية لا تحكمها القبيلة الفاضحة كما كان الأمر في سنوات مضت، بل ظهرت أكثر من 8 قوائم انتخابية تضم مرشحين ومرشحات من عائلات وقبائل مختلفة، في خطوة تُحسب لزليتن التي قررت أن تمزج النسب بالبرامج، والدم بالخبرة، والانتماء بالإنجاز. وحتى بين المرشحين المستقلين، نجد حضوراً متنوعاً، يدل على أن فكرة الاحتكار القبلي بدأت تتآكل لصالح تنوع يعكس تركيبة المدينة.

صحيح أن هناك من لا يزال يميل إلى قائمة بعينها فقط لأن رئيسها من نفس العائلة أو القبيلة، لكن هذا الميل لم يعد جارفاً كما كان من قبل، ولم يعد بالشكل الواضح، بل بات يتخفى خلف شعارات تنموية وخدمية ومهارات مهنية.

لهذا، يجب أن يبنى الاختيار على أساس البرامج الانتخابية، ونزاهة المرشحين، وتاريخهم الخدمي والمهني، لا على قاعدة (ولدنا أولى)، لأن اللعبة إذا بنيت على الولاء لا الكفاءة، فإن النتيجة ستكون خيبة جديدة تضاف إلى أرشيف خيباتنا المتكررة، وشكوانا المبتذلة، والمجالس المنتخبة ستصبح مجرد محاصصة قبلية وعائلية لا أكثر، والخدمات ستضيع بين المجاملات والترضيات.

زليتن بحاجة إلى لحظات وعي جماعية، تقول فيها العائلة للمترشح: (نحبك… لكنك لا تستحق)، وتقول فيها القبيلة لمرشحها: (نقدرك… لكن الكفاءة أولى)، نحن بحاجة لأن نكسر تلك المعادلة القديمة التي ترى في صندوق الاقتراع مجرد وسيلة لتوريث النفوذ، وتدوير الوجوه، دون النظر إلى مصلحة المدينة وأهلها.

في هذه الانتخابات، لا نريد أن نطوى السير الذاتية كما تطوى الكتب بعد أخر يوم في الامتحانات، ولا أن نغلق أبواب الحديث عن الشهادات والخبرات، بل نريد أن تكون أوراق الترشح مرآة حقيقية لما سينجز، وليس فقط لما يقال.

لذلك فإن نصيحتي للمواطن الزليتني، هي أنك تعرف جيداً ما معنى أن تؤجل معاملة إدارية ما، أو أن تختفي شكوى مواطن ما، أو أن يتم غض البصر عن حفرة في طريق معينة، فأنت وحدك من يملك الآن الفرصة ليكسر هذا الحاجز، وعليك أن تنتخب بعقلك لا بعاطفتك، وأن تختار من يحسن خدمتك، لا من يرفع اسمك في مجلس العائلة، وعليك أن تفتح الباب أمام تجربة جديدة قد تغير شيئاً، بدلاً من إعادة تدوير نفس اللعبة… بنفس الوجوه… بنفس الأساليب… وربما بنفس الندم.

أما نصيحتي للمترشحين، فهي أن يدركوا أن المثل الشعبي القائل: (عد رجالك وارد المي) لا يزال قائماً، لكن بشكله الجديد، وهو (عد أصواتك وارد الفوز)، فمن أراد أن يرد كرسي ديوان البلدية، فليقدم ما يستحق من برامج ومشاريع واقعية يمكن تنفيذها … لا بالشعارات والوعود الخيالية والمستهلكة والخطابات الرنانة.

زليتن اليوم ليست بحاجة إلى من ينشد لها شعراً بعد الفوز، بل إلى من ينجز لها طرقاً، ويشيد لها مدارس وحدائق…. زليتن ليست بحاجة إلى جيش من المهنئين بعد إعلان النتائج، بل إلى فريق من العاملين بعد تسلم المسؤولية، والناخب الزليتني وحده هو من يحدد إن كانت هذه الانتخابات موعداً للفرح… أم موسماً جديداً للشكاوى والتحسر وتبادل الاتهامات.

 

شاهد أيضاً

هاشم شليق

كسر ما تبقى من حاجز

هاشم شليق أغلب الثورات والحكومات عبر التاريخ انتكست نتيجة التباعد بين القيادات والجماهير..فهي لم تتمكن …