باختصار
د. علي عاشور
يعد اللسان من أهم الأعضاء البشرية التي يستخدمها الإنسان في التواصل والتخاطب مع الآخرين، ولكن أهميته تتجاوز بكثير مجرد النطق بالكلمات وتنسيق الجمل والعبارات لتشمل التأثير في النفوس البشرية وحياة الأفراد والمجتمعات أيضًا.
لذلك، فإن القادة والمؤثرين هم من الذين حباهم الله بسلامة وفصاحة اللسان، وأحسنوا استخدام الكلمة، فكانوا مؤثرين في الجماعات التي يعيشون فيها، كما اهتم ديننا الإسلامي بالكلمة الطيبة واعتبرها صدقة، وأمر المسلمين باختيار الكلمات بعناية قبل النطق بها، قال الله في كتابه الكريم: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”.
كما أن السيرة النبوية الشريفة مليئة بما يبرز أهمية الانتباه لاختيار الكلمات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًاً، يهوى بها في جهنم”، وأمرنا الله تعالى بالابتعاد عن الكلمة السيئة، فقال في كتابه العزيز: “وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ”.
لذا، فإن من أصول تربية الأبناء هو تعليمهم وتدريبهم على اختيار الكلمات المناسبة عند حديثهم مع الآخرين، لما للكلمة من دور كبير وأساسي في تشكيل العلاقات وبناء صورة نمطية عن أخلاق وسلوك المتحدث.
كما إن تعويد الأبناء على اختيار الكلمات الطيبة يسهم في بناء جسور التفاهم والتعاون بينهم وبين غيرهم، بينما إهمال تربيتهم وتدريبهم على اختيار الكلمات الطيبة يمكن أن يخلق لهم الحواجز في علاقاتهم مع الآخرين، مما ينعكس سلبًا على سلوكهم ويجعلهم أكثر عدوانية.
لذا، وكما يقول المثل الليبي: “اللسان هبرة تكسر في عظم”، لا ينبغي الاستهانة بقوة الكلمة، فهي ليست مجرد تعبير عن المشاعر، بل هي أداة فعالة تحدد نوع العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، فمن منا لم يسمع كلمة جارحة ممن كان يظنهم أصدقاء أوفياء؟ ومن منا لم يُصدم بسماع جملة قيلت بشأنه من شخص قريب؟ كلها مواقف تظل عالقة في أذهاننا، حتى وإن صفحنا عن أصحابها. وفي الوقت نفسه، هناك كلمات طيبة كان لها أثر إيجابي كبير في نفوسنا لا يمكن نكرانه.
فهل جميعنا يولي اهتمامًا بتربية أبنائه على حسن اختيار الكلمات والعبارات، أم أن الأمر متروك للشارع وما تلتقطه أذن الطفل؟.