منصة الصباح

لِيبيَا… سِلَاحٌ مُنْتَشِرٌ وَعَقْلٌ مُنْتَصِرٌ

باختصار

  د. علي عاشور

 ما حدث ويحدث في السودان اليوم لا يحتاج إلى شرح أو تعليق، فالمأساة هناك تتكلم بدمائها وصورها وصرخات أهلها… مشاهد المجازر والتطهير العرقي في فاشر، والقتل الجماعي فيها، والتجويع والتشريد والاغتصاب، كلها وثقت أمام أعين العالم بلا خجل، كأن الإنسانية قد غادرت المكان، وكأن العنف صار هو اللغة الوحيدة المتداولة بين أبناء وطن كان يسمى بسلة غذاء العالم.

إنها مشاهد مؤلمة تعيد إلى الذاكرة ما جرى في رواندا وحتى اليمن، حيث يتحول السلاح من وسيلة للدفاع إلى لعنة على الإنسان قبل أن تكون لعنة على النظام والمجتمع.

لكن حين ننظر إلى ليبيا، نجد أن ثمة فرقاً شاسعاً، وأننا رغم كل ما حدث ويحدث، ما زلنا نمتلك شيئا من الحكمة الليبية التي تمنعنا من الانزلاق إلى الهاوية ذاتها.

فمنذ عام 2011 والسلاح في ليبيا ينتشر بعدد السكان ثلاثة أضعاف – كما تقول التقارير – بعد أن فتحت المخازن على مصراعيها، وصار السلاح في كل بيت، والقبائل في كل مكان، والاختلافات السياسية والاصطفافات لا تُحصى، بيد أن ليبيا لم تتحول إلى ساحة للتطهير العرقي، ولم نشهد مجازر على الطريقة السودانية المروعة.

يبدو أن انتشار السلاح بين القبائل الليبية في بدايته قد خلق نوعاً من التوازن بينها، فصار السلاح عامل ردع قبل أن يكون عامل دمار…. فالجميع مسلح، والجميع يعرف أن الخط الأحمر هو الدم، وأن تجاوز هذا الخط يعني الفوضى الشاملة.

ومن هنا كان للعقل الليبي والدين الإسلامي، والعرف الاجتماعي دور في تهدئة النفوس وكبح جماح الانزلاق إلى دوامة الثأر والانتقام.

الليبي بطبعه ليس دموياً… قد يختلف، وقد يغضب، لكنه في النهاية يعود إلى حكمته، إلى قبيلته التي تذكره بأن الثأر لا يبني وطناً، وأن الدم لا يغسل بالدم، ولعل هذه الروح هي التي جعلت ليبيا، رغم فوضاها السياسية وتعدد ساحات صراعها، تبقى متماسكة في جوهرها الإنساني والاجتماعي.

باختصار…. ما زال في ليبيا ما يستحق الرهان عليه، ما زال فيها إنسان يرفض أن يقطع شجرة الحياة بيديه، فعندما نرى ما يجري في السودان، ندرك أن الليبيين – رغم كل شيء – نجحوا في ألا يتحولوا إلى نسخ من جيرانهم المنكوبين، وأن هذا البلد رغم انقسامه وفوضاه ما زال يحتفظ بروحه الأخلاقية وضميره الجمعي الحي، وخير دليل ما فزعة كل الليبيين في كارثة درنة.

هذه هي ليبيا… البلد الذي قد تتنازع فيه البنادق، لكن القلوب فيه ما زالت تأبى أن تتلوث بالدم.

 

شاهد أيضاً

مفتاح المصباحي

كفّوا أيديكم عن ليبيا..

مفتاح المصباحي ما أعاد ذاكرتي إلى ذاك اللقاء وذلك التصريح، هو ما نشرته البعثة الأممية …