منصة الصباح

ديوجينسنا  المنهك

فتحية الجديدي

كان يتوسد كيسه المحشو بملابس بالية ويفترش الحديقة ويغط في نوم عميق – أعتقد – من شدة التعب والسير بالشوارع روحة ومجيئًا على الأقدام – بالرغم من كبر سنه – ممدد في شقاء ظاهر وحالة مزرية يلفه العوز وشدة الحاجة ويسكنه التشرد !، كلمات حاولت فيها اختصار حالة الرجل المسن وهو ينام وحيدًا في العراء وكما خيل للمارة من ذات المكان الذي مررت به صباحًا صوب جهة عامة قصدته لاستكمال إجراء رسمي في أحد أيام راحتي.

وعند مفترق طرق حيوية تتوسط المدينة، رأيته مسكينًا دون مأوى ودون عائلة ولا حتى قوت يومه ، اقتربت أكثر من مشهده الخاص لأناديه « عمي .. عمي» ، فلم يرد وكأنه في سبات عميق بالرغم من جهة خدمية تعمل بكل نشاط وحيوية وتستقبل مراجعيها صبيحة ذلك اليوم تتموضع في مقابله.

لم أغادر بل عدت لسيارتي وقمت بتدويرها والعودة من نفس الشارع لأعود له من الجانب الآخر وأناديه مرة أخرى، ولكن لا حياة لمن تنادي، هالني الأمر وظننت أن مكروها ألم به، فاقتربت منه وسمعت صوت أنفاسه وتأكدت من أنه حي يرزق، ولم استطع مساعدته ولم أتمكن من إيقاظه وأيقنت بأن السير بالطرقات أنهكه، والجوع ربما قد بلغ منها مبلغًا، في بلد يفترض أن لا يكون بها مشردون، لكن من أين يجد هؤلاء نصيبهم في مال ساقه الله لهم، وخزائن المسؤولين تمتلئ تترى، كما دل على ذاك تقرير ديوان المحاسبة الصادر مؤخرًا.

أين أموال هذه الشريحة أمام مليارات تم هدرها على ملذات الحياة .. سؤال ضمن أسئلة طرحتها على نفسي وأنا أغادر، راسمة مقاربة بين هذا العجوز المسكين والفيلسوف الإغريقي ديوجينس، فكلاهما اتخذ الطرقات مسكنًا، زاهدًا – برغبته أو دونها – عن مباهج الحياة، ولإن حمل الإغريقي حمل مصباحه نهارًا، ليبحث عن الفضيلة، فلقد أبان نوم «ديوجينسنا المنهك» أنها سافرت بعيدًا عن مجتمعنا.

شاهد أيضاً

زليتن تشهد استقرارًا في الأوضاع بعد أزمة المياه الجوفية

تواصل وزارة الحكم المحلي جهودها للسيطرة على الأوضاع في بلدية زليتن وتعويض المتضررين وإيجاد حلول …