منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية
مقالات مشابهة
عندما تعجز اللغة…فيتبعها الجميع…درنة بحاجتنا جميعا
إعداد:مسعود مبارك
درنة…مدينة إشتهرت برائحة الياسمين على مر السنين…لم أكن أحسب بأنه يأتي يوما لنحكي عن رائحة أخرى…الجثت في كل ناحية ملقاة والمباني التي كانت لم تعد كذلك كل شي تغير الى الأبد….ماوقع بدرنة أمر جلل يصعب وصفه…فعندما ترى حجم الدمار…تظن بأنك في حضرة زلزال عظيم لم يبقي على أي شي…أو بأن المدينة تعرضت لقنبلة نووية…أنا هنا لاأبالغ فمن إلتقيتهم من أصدقاء وزملاء حكو لي الكثير…وكأنهم لم يحكو شيئا.. من هول الأمر…فكل من يحدثني عن ومن درنة…لي يقول…مانعرف شن نحكيلك…وماعندي كيف نوصفلك شن اللي صار…الأمر الذي زاد من يقيني بأن أحرفي هذه لن تفي هذه العظمة حقها أبدا…وليس لي إلا هذا..فما باليد من حيلة ولا بالقلب من ربط فلقد فرط كل شي.
درنة الحضارة…الثقافة…لطالما ذبنا فيها حبا حد الجنون…درنة توليفة ليبية لن تتكرر…كل من أتواصل معه لأطمئن عنه إن أجابني فرحت لحظة وحزنت لحظات عندما يبلغني بفقدان أحد أفراد أسرته…أو فقدانهم جميعا…وجل من بهم إتصلت ماعادو يجيبونني كما كانوا…
العاصفة التي ضربت مدن شرق ليبيا كانت أكبر من حجم مالدينا بالرغم من التحذيرات المناخية قبل الواقعة بأيام إلا أننا لطالما كنا شعار للإستهتار بكل شيئ فبين ذا الإستهتار وهذا الإعصار كانت الكارثة.
على تمام الساعة 2:30 فجرا سمع من بدرنة دوي انفجار عظيم هز المدينة لينبئهم بأن ساعتهم قد أتت وليتضح لهم بعد ذلك أن السدين المفترض بهما حماية درنة وأهلها من الغرق قد انهارا بالكامل ليغرقا من كان بطريقهما اللا محدودة… وماأن مرت25 دقيقة حتى غرق الجميع فعند 2:55 إمتلئلت أجزاء كبيرة من المدينة بالمياه الغاضبة التي حازت حريتها لتهلك البنيان والإنسان وكل من يقف في طريقها فالسيول غطت وسط المدينة ودمرت مباني سكنية كبيرة وقذفتها إلى البحر بسكانها مخلفة ورائها ألاف الغرقى ومثلهم مفقودون حتى اللحظة.
بعد شروق الشمس في يوم مظلم خرج ماتبقى من سكان درنة ليروا مالم يعد يرى فهنا ليس لك إلا التذكر…! فالشوارع ذهبت بمابانيها وأهليها في رحلة اللا عودة ليعلم العالم بذلك بأن لدرنة خارطة أخرى فدرنة التي كانت….مع الأسف…لم تعد موجودة.
ابن درنة الصحفي تقي الدين الشلوي يتحدث بألم عن الكارثة التي ألمت بمدينته قائلا المقبرة الوحيدة بالمدينة..الفتايح..لايمكن الوصول إليها…مما إضطر أهل درنة الى نقل رفاث أحبائهم الذين في كل لحظة خذلان يزيدون الى مقبرة مرتوبة التي تبعد حوالي 33كلم والتي إمتلئت بعدما دفن بها أمس الإثنين قرابة 600 جثمان من أصل قرابة 6000 قتيل بحسب عدة مصادر ومايناهز 10 ألاف مفقود بينما لم يتمكن الكثير من فرق الإنقاذ القادمة برا من الدخول الى المدينة بسبب إنجراف كافة مداخل المدينة عدا مدخل الظهر الحمر الذي تضررت أجزاء منه…. بسبب السيول في جنوب درنه في التميمي و المخيلي ناهيك عن العزلة التي تعيشها درنة لإستمرار إنقطاع الكهرباء في أجزاء كبيرة من المدينة وكذلك الإتصالات وخدمات الإنترنت بشكل كامل منذ الرابعة من صباح امس الإثنين.
اقرب نقطه مساعدة لدرنه هيا مدينه طبرق الباعدة عن المدينة قرابة 180 كلم اوانشاء جسر بحري وفي السابق حاولت الطائرات الهبوط في درنه لكن الرياح العاتية منعتها من ذلك كما الطريق بين درنه وكرسه جُرفت بالكامل والكوبري الرابط بين درنه و المناطق القبه و عين ماره تهدم بالكامل والطريق بين راس الهلال و سوسه دمره وادي المهبول و جرفه أيضا كما إن أحدى جسور منطقة لثرون على حافه الانهيار في اي لحظة والطريق بين سوسه و شحات ليست عن مثيلاتها بالبعيدة فلقد قطعت
في ذات المأساة طريق الاثار بمدينه شحات القديمه جُرفت وطريق شحات سوسه من جهة الاخرى خلف الاثار جُرفت بالكامل وكذا طريق المرج البياضه جرفت وقطعت الطريق في حين طريق البياضه و قصر ليبيا و مراوه جُرفت و قطعت الطريق وما حدث بالأمس يشبه نكبة 64 كون الوادي خرج عن مساره ما تسبب في قتلى وتدمير كبير للمنازل فوادي درنة من أقدم الأودية في المدينة وفي الماضي حدثت نكبة 64 التي أودت بحياة الكثيرين ودمرت عددا من المنازل بالمدينة
في العموم الوضع في الشرق مأساوي في جل المدن إلا في بنغازي التي تجاوزت الأزمة وهناك تخوفات من جريان هذه الأنهار القريبة من المدينة كما حدث من انهيار تام للطرق الرابطة بين مدن الشرق ما تسبب في عرقلة الوصول للمتضريين وإنقاذ العائلات.
لايمكنني هنا تجاهل أو تناسي ماقاله رسولُ اللَّه ﷺ في الحديث الصحيح:مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،” قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ رواهُ مسلمٌ.
درنة ستنهظ لامحالة من كبوتها….بسواعدنا إن توحدت قلوبنا قبل أيدينا…فلعلا درنة هي كبش فداء الوطن ليعود من جديد لا كما كان بل أفضل مما كان.
تساؤل لابد منه أختم به هذه الأحرف الحزينة…هل سنتعلم الدرس من هذه الحادثة الكبرى…ونبني ماهدم….لنشعر جميعا بأننا بشر ولسنا مجرد أرقام يتقاذفها سياسيونا وإعلاميينا كسلعة توظف خادمة لمصالحهم البائسة.
