منصة الصباح

درنة‭ ‬وتداخل‭ ‬الحكايات

بقلم / فتحية الجديدي
‮«‬درنة‭ ‬التي‭ ‬أعرفها‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬تخيلتها‭ ‬اختلفت‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬عندي‭ ‬وأنا‭ ‬أزورها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬‮«‬‭ ‬،‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬كانت‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬صديقي‭ ‬عندما‭ ‬سألني‭ ‬كيف‭ ‬وجدتي‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬أثناء‭ ‬زيارتك‭ ‬لها‭ ‬؟‭.‬
طال‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬وأنا‭ ‬أعترف‭ ‬له‭ ‬بأنها‭ ‬ـجمل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أتوقعه،‭ ‬ولا‭ ‬يكفيها‭ ‬وصفي‭ ‬المتواضع‭ ‬ولا‭ ‬ينصفها‭ ‬ويعطيها‭ ‬حقها‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬المؤلم‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أحياء‭ ‬درنة‭ ‬الحزينة‭ ‬والمدينة‭ ‬المدمرة‭ ‬أهملها‭ ‬المسؤولون‭ ‬ولم‭ ‬تطالها‭ ‬مشاريع‭ ‬التطوير،‭ ‬فغابت‭ ‬البهجة‭ ‬عن‭ ‬شوارعها‭ ‬وجثم‭ ‬الدمار‭ ‬على‭ ‬معمارها‭ ‬وشواهدها‭ ‬القديمة‭ ‬،‭ ‬وبقيت‭ ‬على‭ ‬طبيعتها‭ ‬وتفاصيل‭ ‬جبالها‭ ‬وبحرها‭ ‬تحمل‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬السحر،‭ ‬لتتداخل‭ ‬الحكايات‭ ‬بينها‭. ‬
وادي‭ ‬الناقة‭ ‬والكرسة‭ ‬ووادي‭ ‬الإنجيل‭ ‬وسيدي‭ ‬عون‭ ‬والفتايح‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬تشغلها‭ ‬المساحات‭ ‬المدينة‭ ‬الدرنوية‭ ‬والشلال‭ ‬ووادي‭ ‬الخبطة‭ ‬ومشارف‭ ‬الجبال‭ ‬والسد‭ ‬وادي‭ ‬الفلايح‭ ‬وباب‭ ‬طبرق‭ ‬لم‭ ‬تكف‭ ‬ولا‭ ‬أشجار‭ ‬الرمان‭ ‬‮«‬الشلفي‮»‬‭ ‬واللصيقة‭ ‬والبلبيشة‭ ‬و‭ ‬شط‭ ‬الكرنيش‭ ‬وجامع‭ ‬الصحابة‭ ‬وسيدي‭ ‬السبيب‭ ‬ومنطقة‭ ‬بن‭ ‬ثامر‭ ‬لمعرفة‭ ‬الحكايات‭.‬
مكان‭ ‬تترنم‭ ‬بجماله‭ ‬وتنطق‭ ‬لا‭ ‬إرادياً‭ ‬بحسنه،‭ ‬لولا‭ ‬عبث‭ ‬العابثين‭ ‬وتجاهل‭ ‬من‭ ‬يهمهم‭ ‬الأمر،‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الحزازات‭ ‬الجهوية‭ ‬الضيقة،‭ ‬لأنها‭ ‬مزجت‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬نسيج‭ ‬بديع‭ ‬واحتوت‭ ‬بين‭ ‬احتضنها‭ ‬من‭ ‬محبيها‭ ‬وزوارها‭ ‬الذين‭ ‬اتفقوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬درنة‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيها‭ ‬للكره‭ ‬ولا‭ ‬التقسيم‭ ‬وسجلت‭ ‬تاريخًا‭ ‬ربما‭ ‬تتذكره‭ ‬أجيال‭ ‬لاحقة‭.‬
عشرة‭ ‬أيام‭ ‬برهنت‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحتضن‭ ‬الجميع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الضغائن‭ ‬وتسمح‭ ‬لأنفاسها‭ ‬العاقبة‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬عاصمة‭ ‬للوطن‭ ‬من‭ ‬شكك‭ ‬في‭ ‬انتماء‭ ‬أهلها‭ ‬الطيبين‭ ‬لليبيا‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬للجميع‭. ‬ومثلت‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬رئة‭ ‬ليبيا‭ ‬وبوابة‭ ‬شرقية‭ ‬ساحرة‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬والجبل‭ ‬والخضرة‭ ‬وأنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬انتعاش‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬إذا‭ ‬أحبها‭ ‬المسؤولون‭ ‬ولم‭ ‬يتجاهلها‭ ‬صنّاع‭ ‬الواجهات‭ ‬السياحية‭ ‬ومناطق‭ ‬الجذب‭ ‬وتخلصت‭ ‬من‭ ‬عقلية‭ ‬التهميش‭ ‬وكذبة‭ ‬القسمة‭.‬
ليبيا‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬ذلك‭ ‬ولو‭ ‬حاول‭ ‬‮«‬المصلحجيون‮»‬،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بها‭ ‬أسماء‭ ‬ليبية‭ ‬مبدعة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفنون‭ ‬والثقافة‭ ‬والأدب،‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يكتبون‭ ‬للبلد‭ ‬ولا‭ ‬يهمهم‭ ‬الترقيم‭ ‬أو‭ ‬المسافة‭ ‬أو‭ ‬المسميات،‭ ‬درنة‭ ‬الصغيرة‭ ‬فازت‭ ‬بحب‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وأرضية‭ ‬للمودة‭ ‬وجسر‭ ‬المحبة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭.‬

 

 

 

شاهد أيضاً

استعراض مشروع الطريق السريع القطاع الرابع مصراتة راس اجدير

ناقش وكيل وزارة الحكم المحلي لشؤون البلديات مصطفى أحمد سالم مع كل من وكيل وزارة …