منصة الصباح

درنة.. هل تكون حاضرة في الأدب الليبي؟

خلود الفلاح

رغم كل التحذيرات من دانيال لم يكن الخوف ليسكن قلبي، ربما لأننا في ليبيا لم نمر بفيضانات وسيول كما يحدث في كثير من دول العالم، أو لأني عشت تفاصيل مروعة من فصول الحرب التي عاشتها مدينة بنغازي العام 2014.

في اليوم السابق للعاصفة أي يوم السبت الموافق 9 ـ سبتمبر ـ 2023، زادة حدة الدعوات بأخذ الحيطة والحذر من العاصفة والأمطار القادمة وفي نفس اليوم تم فرض حظر التجوال من الساعة الثامنة ليلا إلى الثامنة صباحا والذي سيصادف يوم الأحد الموافق 10 ـ سبتمبر كل ذلك ومازال الخوف بعيد عني إلا أنه مع الساعات المتأخرة من الليل زادت حدة العاصفة مع سقوط بعض الأمطار في هذه اللحظات بدأ الخوف يسير حثيثا نحو قلبي. خاصة بعد استيقاظي الساعة السابعة صباحا على غرق الدور الأرضي من بيتنا.

وبعد تعب تنظيف مكان المياه وهدوء الرياح وتوقف الأمطار باقية اليوم نسيت أمر دانيال نهائي.

مع الواحدة ليلا تقريبا دخلت إلى الفيس بوك لأجد الجميع يتحدث عن بداية كارثة في مدن شرق ليبيا (سوسة، وشحات، والبيضاء، والوردية، والمخيلي، ودرنة). اتصلت بصديقتي هند من مدينة درنة للاطمئنان على أحوالها هي وعائلتها. أخبرتني أن مياه الأمطار دخلت إلى الشقة وصوت الرياح عالي جدا. ضحكنا وتحدثنا عن العديد من الأمور الحياتية وفجأة انقطع الاتصال ولم أتمكن من التواصل معها عدة أيام بسبب السيول التي أخذت في طريقها كل شيء البشر والعمارات والبيوت لم تستثن أحد، كل ذلك حدث يوم الاثنين الموافق 11 ـ سبتمبر.

وما يصل من أخبار طوال ذلك اليوم والأيام التي تليه مخيفة وتدمي القلب.

اليوم نعيش على وقع أعداد الضحايا والمفقودين، أحياء اختفت بالكامل، عائلات توفيت بالكامل ولم يعد لها مكانا في سلسلة الأرقام الوطنية.

شهادات الناجين التي استمعت إليها عبر السوشيل ميديا سواء من الذين استطاعوا الفرار من السيول أو الذين تم انقاذهم بعد انخفاض منسوب المياه ووصول فرق الانقاذ من عدة دول تروي تفاصيل مرعبة، لذلك توقفت عن الاستماع واتحاشى بقصد معرفة أية تفاصيل عن ما يحدث في مدينة درنة التي انهار فيها سدان شيدا عام 1977، لحمايتها من الفيضانات في فصل الشتاء. لابد أن نذكر أن ليبيا لم تشهد مثل هذه الكارثة الإنسانية منذ زلزال المرج في ستينيات القرن الماضي.

هل يمكن أن يجمعنا الحزن على قلب واحد؟ هذا ما حدث ويحدث اليوم في كل أنحاء ليبيا بعد سنوات من الكره والعدوة انطلقت فزعة الليبيين أو “فزعة خوت” الكل يحاول أن يبذل قصارى جهده للتخفيف من حدة هذه المعاناة الإنسانية وعبر منصات التواصل الاجتماعي انطلقت حملات التبرعات بالمال، والطعام والملابس والأدوية وقوافل الأطباء.

أتمنى أن يهتم الروائيون الليبيون بكتابة هذا الحدث بكل الأذى الذي طال الجميع، فالرواية قادرة على استخدام وقائع التاريخ ليس من أجل توثيقها بقدر ما تخبرنا عن تأثير تلك التحولات المجتمعية على الإنسان. كل الأعمال الإبداعية يمكنها أن تعد وثيقة اجتماعية لتاريخ ما.

أذكر أني قرأت في كتاب “لماذا يجب أن تكون روائيا” للروائي هيثم حسين، وكيف أشار الكتاب إلى أهمية المناخ اليوم في تشكيل مجالا خصباً للرواية، وبحسب هيثم حسين أن بعض الروائيين خاصة الأجانب عملوا على تقديم أعمال روائية تحذر وتنذر بكوارث متخيلة، وكمثال على ذلك رواية “عام الفيضان” للروائية مارغريت أتودد، التي قدمت عملاً استشرفت من خلاله ظهور أوبئة وفيضانات تتسبب بتغير بيئي خطير، يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل كارثي في مدينة متخيلة.

ويشير هيثم حسين إلى أن قضية التغير المناخي ظلت بعيدة عن اهتمام الروائي العربي.

شاهد أيضاً

دفاتر نقدية في الأدب الليبي المعاصر

  صدر عن دار “جين للنشر والطباعة والتوزيع” في ليبيا، كتاب “دفاتر نقدية في الأدب …