بقلم/ عبد الباري رشيد
يبدو أن أرقام ضحايا العدوان على العاصمة الكبرى لليبيين والتي هى في تزايد يومي – تغيب عن ذاكرة معظم الاجتماعات واللقاءات الدولية التي تمت حتى هذه اللحظات في أكثر من عاصمة ومدينة منذ بداية العدوان الذي اكمل ثمانية شهور – بداية من الامم المتحدة ذاتها – مروراً بقمة السبعة الكبار ووصولاً حتى آخر إجتماع في « منتدى الحوار » المتوسطي الذي التئم خلال الايام القليلة الماضية بروما حيث شهدت قاعات تلك الاجتماعات شطحات الوفود وتغريدهم خارج السرب في معظم تلك الحوارات والتي كان من أبرزها مثلاً ما عُرف بمجموعة « العشرة» على هامش اشغال الجمعية العامة للامم المتحدة لدى افتتاح دورتها العادية 74 في سبتمبر الماضي فقد لاحظ المراقبون على كلمات بعض الوفود بأنها « غردت» بالفعل خارج السرب ففي حين كانت دماء الليبيين للسيل بغزارة وبيوتهم تتهدّم واطفالهم يتشردون ويلتحيُون مراكز الإيواء الي انتشرت في العاصمة طرابلس – إنشغلت بعض الوفود في مجموعة « العشرة » بالحديث عن ما اسمته بالتوزيع العادل لثروات الليبيين ولم تلتفت ا…… النازحين وأسر الضحايا والدمار الذي لحق بالبنية التحتية – والتي طالت حتى المطار الوحيد بالعاصمة علماً بأن موارد الليبيين موزعة عليهم بالكامل على شكل رواتب وخدمات من أقصى شرق البلاد الى وسطها والى غربها وجنوبها فالرواتب مثلاً والتي تُشكل أكثر من 60 % من ميزانية حكومة « الوفاق » تصرف للعاملين بالدولة بدون استثناء لأية مدينة وهذه معلومة يُفترض ان تكون معروفة لدى ذلك الوفد – الذي طرح المسألة امام مجموعة العشرة وكشف عن جهل بلاده لحقيقة اجراءات وترتيبات « الوفاق» التي تسلمت السلطة شهر مارس من العام 2016م فهي حكومة كل الليبيين ومساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية في إتجاه بناء الدولة « المدنية الديمقراطية ..
وترجمت ذلك منذ البداية من خلال تعاونها الكامل مع الأمم المتحدة وحتى في زمن العدوان على العاصمة في ابريل الماضي – كان خطابها هو أنها مُلتزمة بثوابت الحل السياسي بين كافة الاطراف .
وذهبت الى أبعد الحدود في التحاور مع الجميع – ورصد المراقبون اكثر من ستة لقاءات جمعت « الوفاق » مع الطرف الآخر الذي لم يلتزم بإتفاق « الصخيرات » الذي احتضنته المغرب وبرعاية الامم المتحدة .
من أجل تقريب وجهات النظر وتوصيد الرؤيا السياسية للبلاد – وإنقاذ الدولة من حالة « الانقسام» وما قد يترتب عليها من أخطار – ففي اللقاءات الستة التي جمعت رئيس المجلس الرئاسي مع الطرف الآخر في أكثر من عاصمة أوروبية ومدنية عربية وأوروبية – وتحديداً في باريس في شهر مايو من العام 2018 …… في شهر نوفمبر من نفس العام وفي ابوظبي أوائل 2019 كانت حكومة الوفاق تطرح ثوابتها التي تعبر عن طموحات الليبيين « العاشقين » للحرية والراغبين في رؤية بلدهم في أحسن صورة من حيث التداول السلمي على السلطة – وسيادة القانون وغيرها من الترتيبات التي تشكل الدولة المدنية الحديثة .. وحتى الجانب الاعلامي تم التطرق اليه في لقاء « أبوظبي » مثلاً حيث جرى الاتفاق على وقف خطاب الكراهية – والفتنة – بإعتبارها تعزز الانقسام وتُبعد المسافات بين ابناء البلد الواحد – واحلال خطاب « التوافق » والتسامح الذي يصون الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي وكما ذكرنا فإن حكومة « الوفاق » تعاونت بشكل كامل مع الامم المتحدة .. وقبلت بما طرحه المبعوث الاممي سلامة من خارطة طريق للخروج بليبيا من عُنق الزجاجة- تمثلت في حينه في لقاء يضم كافة الاطراف الليبية على طاولة ملتقى – « غدامس » والذي كان من المفترض ان يلتئم وفق ترتيبات المبعوث الاممي يوم 14/4 الماضي ولكن عدوان أول ابريل ، افشل جهود الامم المتحدة ونسفها – وأعاد الازمة الى نقطة الصفر – وطوال الشهور الثمانية للعدوان ظلّت الازمة الليبية تراوح في مكانها – وجهود المبعوث سلامة للعوده للحوار تصطدم بأجندات خارجية القت بظلالها على أعلى سلطة في الامم المتحدة وهى مجلس الامن الذي عجز وبإعتراف سلامة في أكثر من مناسبة عن اتخاذ الموقف الصحيح تجاه العدوان على طرابلس – وكان أخرها في منتدى الحوار المتوسطي بروما حين ذكر صراحة بأن الانقسامات العميقة في المجمتع الدولي « منعت » مجلس الامن من التصرف وبشكل إيجابي في الملف الليبي ، وبأنه ومنذ بداية العدوان على طرابلس يوم ٤ ابريل الماضي « ارتفع » مستوى تدخل القوى الخارجية في الشأن الليبي بشكل ” سلبي” ودعا الدول الكبرى إلى ضرورة الامتثال لما سيتم الاتفاق عليه من مخرجات مؤتمر برلين المزمع عقده أوائل يناير القادم وبطبيعة الحال فإن ثوابت حكومة الوفاق تجاه العدوان ظلت ثابتة وجرى التعبير عنها على كافة الأصعدة الاقليمية والدولية ….
وجرى التأكيد عليها مجددا في منتدى الحوار المتوسط بروما – حين أعلن وزير خارجية “الوفاق” أمام المشاركين بأنه يجب أولا تجنب الانقسامات في مجلس الأمن – وفي الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وبأن الحل الأمثل الآن هو وقف إطلاق النار وبشكل عاجل ، ثم البدء في المسار الذي حددته الأمم المتحدة – ويجب حل دولي للأزمة قبل التوجه لليبيين.