عبد الحكيم الطويل للصباح/ أربعون عاما مجرد تمدد بلا انقطاع!..
أربعون عامًا ظلّت القصائد خلالها تتنفّس محمولة على دفء لحظةٍ أولى لم تبرد، وعلى ذاكرةٍ ظلت يقظة . في هذا الحوار، ينكشف لنا الوجه الاخر للكاتب والمهندس النووي عبد الحكيم الطويل الشاعر، كيف كتبَه الزمن، وكيف تحوّلت القصيدة من اعتراف مؤجَّل إلى دَينٍ مُسدَّد، ومن «ذرات وردية» مشبعة بطاقةٍ روحية وجمالية عالية.
اللحظة الأولى بوصفها رحم النص
كيف استطاعت نصوصك أن تتنفس عبر أربعة عقود دون أن تفقد لحظتها الأولى؟ هل تشعر أنك دوّنت الزمن؟
كان دفء لحظتها الأولى هو رحمها قبل أن تولد! المكون الروحي لها: أمها القابعة في جنة الحُب إن صح تقييمي، فهل يمكن نسيان الأم؟ أما عن كوني دونت الزمن أم هو من دونني فحقيقة لم أعد أفرق بين الزمن وتلك اللحظة الأولى، لأنني أشعر بأن هذه الأربعين عاماً مجرد تمدد بلا انقطاع لها! فما غابت يوماً طوال هذه العقود! لكن أظن أن الزمن هو من دونني، هذا ما شعرت به لحظة خروج هذا الديوان برائحة حبره المميز من المطبعة.
التأجيل كفعل نضج لا خسارة
أربعون سنة بين الكتابة والصدور… ما الشيء الوحيد الذي كان سيضيع لو كان الديوان طُبع باكراً؟
تنقيحات وحفريات ورتوش عديدة كسوت بها كلماته جاءتني بعد نضوج رؤيتي لأسرار كل مشاهد هذه القصائد، إضافة إلى اللوحات التي تتصدر كل قصيدة، فقد صنعتها على مهل، على إيقاع كلمات نثرية، حاولت فيها أن تكون مرآة ملونة لمقاصدها العميقة، أعتقد أنه لحسن حظي أن تأخر صدور هذا الديوان لأنه الآن يَكْسِي بَطَلَته بهالة الاحترام التي تستحقها وهالة قداسة علاقتي بها، بالهيئة المتأنية التي كان يجب أن تستحق .
حين يسبق الرسم الكلمة
نفذتَ لوحات الديوان وغلافه بنفسك… هل كنت ترسم النص أم يكتبك اللون؟ وكيف تعرف أن اللوحة هي “القرين البصري” الصحيح للنص؟
في الأغلب كان النص مرسوماً في ذهني قبل ولادة قلمي له، في بعض نصوصه أجد رسمته تجلس فجأة أمامي ما أن أكتب كلماته الأولى، وأحياناً أجد لزاماً عليَّ أن أقلل من غموضه برسمه، ثم أعرضها على بعض الثقاة، بعضهم يقول بأنها زادت النص غموضاً! وبعض الصديقات أخبرنني بأن بعضها كانت فاتحة شهية لمغازلة النص! فأقبلوا بشغف بلا جدال واعتمده . بالنسبة لي أظن أنني جسدت القرين البصري الصحيح للنص، ومع ذلك يمكن لغيري أن يجد صورة أفضل من بعد قراءته، ألا يقولون إن النص – مثل حكم القاضي – يفقد المؤلف ملكيته له ما أن يدلقه على الورق ليصبح ملك المتلقي؟
ارتجاف الدَّين المؤجَّل
حين أمسكت النسخة الأولى… ما الذي ارتجف؟ يدك أم جملٌ كنت تظن أنك نسيتها؟
إرتجف بقوة ذلك الدَّيْن القديم الذي حملت ثقله طوال هذه العقود، إرتجف لأنه أحس بأنني ها قد أرجعته كاملاً لصاحبه! والآن أشعر بشيء من راحة ضمير! فقد قال هذا الديوان ما احتجزت العقبات خروجه في وقته، بقداسة تليق بتلك التجربة.
الذرة بوصفها استعارة للعاطفة
ماذا تعني لك “الذرات الوردية”؟
كان العنوان الأول خلايا وردية، لكنني – ربما بسبب خلفيتي النووية – أدركت أن الذرة هي أعمق بكثير من خلية الجسد، فهي أساس الخلية وكل مواد الدنيا، والمشاعر الصادقة هي طاقة، ولا أرى مكان يليق بضيافتها أكثر من النواة وهي ساكنة في قلب ذرتها، فالطاقة النووية تشد مكونات نواة الذرة المتنافرة إلى بعضها البعض، ورغم ضآلة الذرة ومكوناتها إلا أنها هائلة!! فالطاقة الكامنة الخفية التي تحملها الذرات متناهية الصغر والرؤية في أعماقها لهي أعظم مما نتصور، هنا حاولت أن أصف تلك العاطفة الهائلة التي تحملها كلمات هذا الديوان … رغم أنها “حفنة” ! فهي ذرات وردية صادقة يستحيل الإمساك بها إلا بنصوص هذا الديوان!
من الطاقة الخام إلى بستنة الورد
حين تقول “ذرات وردية”… هل تريد للقارئ أن يلمس النص قبل أن يقرأه؟
أريده أن يدرك مقدار جهدي في ترويض طاقته العاطفية اللاهبة الهائلة طوال 40 سنة، حتى صارت بعد هذه العقود تتقن فن بستنة الورود! أريده أن يدرك بأن الذرة المخيفة الخشنة ذات الغبار المميت يمكن أن تكون كذلك ناعمة جداً ذات شذى مخدر ساحر إذا قُدَّت ثم زرعت في صندوق ذكرى سامي ساكن منسي!
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية