مفتاح قناو
(أنا لا أكذب ولكنني أتجمل) هذا عنوان فيلم تلفزيوني شهير للممثل الراحل احمد زكي، يمكن اختصار قصته في أن بطل الفيلم الطالب الجامعي المتفوق ينتمي لعائلة فقيرة جداً، حيث كان والده يشتغل في مهنة (حفار قبور) بإحدى المقابر، والطالب متفوق جدا في الدراسة ويرغب في الزواج من ابنة أستاذه في الجامعة الذي ينتمي لطبقة ثرية ذات حسب ونسب وكانت الفروق بين العائلتين كبيرة وواضحة.
هنا يحاول بطل الفيلم الظهور بمظهر مغاير لحقيقته، بالادعاء أن والده من الأثرياء وأحوالهم المادية ممتازة، معتقدا أن مثل هذا الكذب لا يضر، وسيحقق له رغبته في الزواج من ابنة أستاذه، وتستمر الحكاية حتى يكتشف والد الفتاة ذات مرة بالصدفة وهو يقوم بواجب العزاء في إحدى الجنازات حقيقة الوضع الاجتماعي للطالب الذي يدرسه، فقد وجده يساعد والده الهرم في بناء أحد القبور.
ويستمر الحوار والنقاش داخل الفيلم بين قيم العدالة والمساواة التي يؤمن بها الأب ويدرسها لطلابه، وبين أن يوافق على زواج أبنته من الطالب المتفوق ابن حفار القبور.
ما كان يريد أن يقوله بطل الفيلم، وما صرح به هو أنه لم يكن يكذب فيما ذكر لهم، ولكنه كان فقط يتجمل ويضع بعض أدوات الزينة الحديثة التي أوجبها العصر على كل الناس.
ومسألة الفرق بين الكذب والتجمل جديرة بالنقاش، فهل أصبح الكذب غير الضار نوعاً من أنواع التجمل كما يدعي البعض ؟ أم أن الكذب هو الكذب كيفما كانت الحالة ؟
هل يمكن اعتبار زينة المرأة نوعاً من أنواع الكذب؟ لأن المرأة بعد الزينة تظهر بشكل مغاير للحقيقة خصوصاً إذا كان وضع المساحيق والألوان قد تم بواسطة خبيرة متخصصة في التجميل.
من أمثلة كذب التجمل وما هو مخالف أيضا للقانون هو ما نراه على بعض اللوحات الإعلانية في شوارع المدينة حيث نجد على سبيل المثال لوحة تعلن عن مكتب محرر عقود رسمية كتب عليها ” مكتب المحامي فلان الفلاني لتحرير العقود، هذه جملة كاذبة، أولها يكذب آخرها فلا علاقة بين مهنة المحاماة ومهنة تحرير العقود، حيث لا يستطيع محرر العقود أن يصبح محامياً وأن يترافع أمام المحاكم، كذلك لا يسمح القانون للمحامي أن يقوم بتحرير العقود الرسمية واعتمادها فكل مهنة مستقلة بذاتها لها قواعدها وأسرارها ونقابتها وان كان العامل المشترك بينهما هو التخصص في القانون، لذلك لا ندري لماذا يقوم السادة الأفاضل محررو العقود الرسمية بكتابة لفظ محام أمام أسمائهم، وهم يعلمون أن ذلك منافي للحقيقة التي يتطلبها الصدق المهني مع المواطنين المترددين عليهم وهو إلى ذلك مخالف للقانون فهل هو نوع آخر من كذب التجمل ؟
وهناك صور كثيرة (لكذب التجمل) أما الإعلانات الإشهارية والدعائية للبضائع والسلع والخدمات فقد فاق حجم الكذب فيها (كذب التجمل) بمراحل كثيرة لتصل في كثير من الأحيان إلى الفعل الجنائي ألعمدي الذي يعاقب عليه قانون العقوبات الجنائية، بل ويصل الكذب إلى الإضرار بصحة الناس ومصالحهم،وما يمكن التأكيد عليه هو القول بأن الكذب هو الكذب مهما تعددت أشكاله وصوره.