منصة الصباح

جواد الاستيلاد .. بروس هولاند روجرز

 

قبل أن يعود كالديرون إلى بيته ومزرعته شرب القهوة. كثيرا من القهوة. وصار بإمكانه أن يحس بأن زوجة بالمر تود لو أنه يذهب. كانت تبدل فوق الموقد وضع أشياء لا تحتاج إلى تبديل وضع. لكنه كان منهكا واستمر في طلب المزيد من القهوة. شرب حتى أتى على كامل ما في الركوة، وأحس بالندم على فعلته هذه، لأن ذلك يعني النهاية. الآن عليه أن يذهب.

كان بالمر يجلس قبالته على المنضدة، ينظر عبر النافذة من فوق كتفي كالديرون. باتجاه الحظائر. ربما كان بالمر يفكر في الجواد، وربما كان ينظر في ذلك الاتجاه لأن التعب يمنعه من النظر في أي اتجاه آخر. كانت الشمس تنخفض، متوهجة على وجه بالمر.

– تريد المزيد؟.

يقصد القهوة، كما افترض كالديرون. قال بأن نيل المزيد سيكون أمرا جيدا، ولكنهما أتيا على آخر ما هنالك. لم يكن بالمر يملك إجابة على ذلك، فاستمر في النظر عبر النافذة.

لم يُبدِ الجواد أية علامة تدل على التعب. لقد طوح بهما في العصر بنفس الشدة التي فعل بها ذلك صباحا. بدا لكالديرون أن الجواد قد يقهرهما قبل أن يقهراه. ربما كان ذلك أمرا جيدا. لعله أمر جيد أن تجد مرة في حياتك جوادا لا يمكنك قهره.

لا يفكر بالمر بنفس الطريقة بالتأكيد. فلقد أنفق مالا من أجل جواد الاستيلاد.

جاءت السيدة بالمر لأخذ الركوة. وضعتها في الحوض وملأتها بالماء. تركتها هناك. ثم ذهبت لتقوم بتنسيق الأشياء في المطبخ.

لم يكونا، في العادة، يتوقفان حتى يصل الظلام إلى الدرجة التي لا يعود بإمكانهما معها الاستمرار، ولكن ذلك الحصان أبطل هذه العادة. صارا يتوقفان قبل الظلام بساعة ونصف من الضوء.

كان كالديرون قد سمع حكايات عن نوع معين من الخيول. خيول قد تخضع في النهاية ولكنها، قبل ذلك، تقتل الرجل. وفي هذه الحكايات يكون هناك دائما في عيني الحصان شيء من الوحشية. شيء يميزه البشر عندما يرونه.

جواد الاستيلاد هذا ليس من هذا النوع. فهو يدعك تلاطف عنقه وشاكلتيه، ويتركك تسرجه. ما من ضغينة في عينيه أو وضاعة. إنه فقط يعرف بأنه ليس للركوب، ولا يريد أن يقتنع بغير ذلك. ينظر إليك، بعد أن يطوح بك، كما لو أنه يأسف لكونك لم تُدخل مثل هذا الأمر البسيط في رأسك.

ضجرت زوجة بالمر وذهبت إلى قسم آخر من البيت. بالمر لم يتحرك.

كانت الغرفة قد أخذت تظلَم. فكر كالديرون بأن الطريق إلى البيت سيكون طويلا في الليل، ولن يكون هناك قمر. عليه، فعلا، أن ينهض ويغادر، فعلا يتوجب عليه ذلك. كلما طال جلوسه هنا كلما ازداد شعوره بكل كدمة وبالوجع في عظامه.

– عليَّ أن أطلق الرصاص على ذلك الحصان اللعين.

قال بالمر:

– بعه.

– لا أستطيع. أنا صاحب ضمير.

كالديرون لم يجب. سينهض خلال لحظة. سيفعل. سيقف ويخطو مبتعدا عن متعة الجلوس في الظلام والإحساس بالوجع والتفكير في الحصان الذي يأبى أن يقهر.

يمكنه شراء الحصان، ولكن ذلك سيكون تضييعا للمال. سيكون مالا أنفق بغية امتلاك شيء عصي على الامتلاك، ليس بالمعنى المعتاد، على أية حال.

في الخارج كانت الجنادب تصخب.

– طيب.

قال مستأذنا. وبمجرد أن انسحب مبتعدا عن المنضدة قليلا سأله بالمر:

– غدا؟.

نهض كالديرون وتوجه إلى الباب. سمع صهيل جواد الاستيلاد. أضاءت أولى النجوم.

– غدا كالمعتاد.

قال تاركا الكلمات تتخذ الشكل الذي يعن لها.

ثم خطا إلى الخارج ليستنشق الهواء الناعم المترع برائحة الحصان.

ترجمة / عمر ابو القاسم الككلى

شاهد أيضاً

ميكروفون كاتم صوت تحصد جائزة نجيب محفوظ للآداب 2024م

فازت رواية “ميكروفون كاتم صوت” للكاتب اللبناني محمد طرزي بجائزة نجيب محفوظ للأدب 2024 من …