منصة الصباح

“جمعة والحرب”

“جمعة والحرب”

زكريا العنقودي

في حرب طرابلس 2019 ، وفي قلب تبادل النيران بين طرفي الجحيم ، نزح الجميع ، ومن رفض النزوح ، اجبرتهم الاطراف المتصارعة على ذلك .

 وحده (جمعة ) رفض المغادرة .

لم يكن الامر سهلاً ، فقد احتمل الكثير لأجل البقاء ، صفع بكم بوابة ، واعتقلته كذا مليشيا وقوة مساندة ، وبخ وضرب و سبوا سلسبيل أبيه ، لكنه رفض النزوح ، وكان ( خارجيا ) بامتياز وهو يجيبهم :لا املك مكانا أو خيارا آخر ، ولست متزوجا ، و لا املك من الدنيا الا أمي ، و إن اخترتم توقيفي و سجني فقد تعرضونها للموت ، وليس لي غيرها عجوز كبيرة وتستمر في الحياة بفضل تناولها للأدوية في مواقيتها ، وأنا من يقوم بهذا الواجب .

إصراره هذا ، وكثر توقيفه وتعذيبه ، وامتداد عمر الحرب ، جعل الكل يصدقه .

لذا تعود الجميع عليه ، وتوقفوا عن توقيفه واعتقاله.

كان جمعة خمسينياً، ولم يسبق له الزواج ، وكان فعلاً لايملك إلا والدته ، وذالك البيت بقلب الحرب ، حتى أنه لا سيارة لديه ، ولا دراجة ، فقط حذاء قديم وقدمين نشطتين ، ومع استمرار الحرب وضرورة خروجه لأجل التموين و أدوية والدته ، تعود الكل على مروره بين الجبهات جيئة وذهابا ، بل إن الكل وبعد أن طال عمر الحرب وصارت عادة كان حريصاً عليه ويبادله التحايا والأحاديث ، بل وصل بهم الأمر أنهم كانوا حين ينتبهون لاقترابه من مكمن النيران في طريق عودته لبيته والحرب على أشدها ، يوقفونه بالحاجز حتى يتوقف القصف ، أو لأجله كانوا يلوحون بالعلم الابيض مشيرين للجبهة المعادية ، وذلك لأجل هدنة لدقائق تسمح بمروره ، ببعض الخبز وعلبة المكرونة ، والملح والزيت و أدوية والدته ، بل إن الأمر صار عادة يعلمها ويتصرف وفقها الإخوة الأعداء .

جمعة لم يكن مبالياً بكل هذا ، بل إنه كثيراً ماكان يخرج لأجل حاجيات البيت ووالدته في منتصف الليل والحرب سجال ، وحيث لا يمكن لأحد أن يتعرف عليه ، كم مرة سقطت قديفة بعتبة بيته ، وكم من رصاصة بالصدفة مرت على بعد ملميترات فوق راسه ، وكم وكم وكم .

كان جمعة يمشي كطاووس بين حمم جهنم ولا يبالي . فلا شيء كان يشغله إلا والدته ، وكان اخوة الجحيم يتبادلون الحديث عن قوة قلبه وشجاعته .

في حين كان وهو يمضي بين اللهيب ..يردد ليتني كنت شجاعا لغادرت وأمي لكنني للاسف لست كذلك .

كل ما في الأمر أنني فقدت ومن طفولتي قدرتي على النوم و بحياتي لم أعرف الاحلام ولم أرٓ الأفق .

حين انتهت الحرب وعاد الجيران لبيوتهم ظل جمعة يجتاز نفس الطريق و بصدر طاووس يحمل بيديه بعض التموين و الأدوية ..وأيضا

بلا حلم

ولا أمل

ولا أفق .

شاهد أيضاً

المصرف المركزي يناقش آلية العمل الموحد وتحسين أداء القطاع

المصرف المركزي يناقش آلية العمل الموحد وتحسين أداء القطاع

عقد محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي اليوم اجتماعًا مع مدراء إدارات …