منصة الصباح

عَوارضٌ ذاتية

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

البعضُ من الناس يحرصون، لأسباب تخصّهم، على البحث عن تفسيرات لكل شيء. وبالتأكيد، التفاسير مهمة، بوجه عام، للحفاظ على توازننا النفسي في علاقتنا بالأشياء وبالناس من حولنا، وضرورية لمساعدتنا على فهم ما يحدث لنا وحولنا من حوادث، ووضعها في سياق يجعلها مقبولة عقلانياً ومنطقياً.

لكن، في بعض الأحيان، تصادفنا أشياءٌ غريبةٌ حقاً، إلا أنّها قد لا تكون في حاجة إلى تفسير. أشياءٌ قد تحدث لنا عرضاً، أو لأشخاص آخرين قد نعرفهم، أو لا علاقة لنا بهم.

أنا، لا أعني هنا، ما قد يطفو على السطح الحياتياليومي من حوادث خارقة للطبيعة ونواميسها، وتُنسب إلى كائنات غير مرئية. وعلى سبيل المثال، فوجئنا في الأيام القليلة الماضية، بواحدة منها. وأعني بذلك حكاية المشعوذ الذي ظهر علينا في الشرق الليبي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما أدّعاه كذباً، خلال التحقيقات،من قدرات يرفضها العقل السليم، ولا يقبلها منطق الحياةونواميسها التي نعرفها ونعيش وفقاً لها. الشعوذة ليست أمراً جديداً على الناس، بل ضاربةٌ في القِدم والتاريخ. وهي تُفهم ضمن سياقات تاريخية قد تكون معروفة لكثيرين، ولذلك  لا تحتاج إلى تفسير وكبير عناء، كونهابلا أساسات تشدّها إلى الأرض ونواميسها الطبيعية والمنطق والعقل، وقائمة على ادّعاء قدرات خارقة لتلك النواميس، حتى إن صدّقها البعض منّا. والذين صدّقوا ما أدّعاه المشعوذ من أكاذيب، هم مثله لا يقلّون عنه خَبالاً، وفي أشدّ الحاجة للعلاج النفسي.

ما أقصده، في هذه السطور، يختلف عما ذُكر أعلاه.وبالتأكيد، لا يخرج عن سياق منطق الحياة ونواميسها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، اكتشفت أنني، لأسباب لا أجد لها تفسيراً، أحرص على عدم محو أسماء أصدقائي، الذين توفّاهم الله وأرقام هواتفهم، من قائمة الأصدقاء في ذاكرة هاتفي الخليوي. وربما يجتهد البعض في محاولة ايجاد تفسير يكون مقبولاً للمنطق والعقل. إلا أنني شخصياً، لم أبحث عن تفسير. وكنت أظنني، إلى وقت قريب، لا أحتاجه. فالمسألة، أولاً وأخيراً،عارض ذاتي جداً، وتتعلق بي وبحرّيتي الشخصية في التعامل مع أصدقائي، الأحياء منهم والأموات، وكذلك، وهو مهم، ما أفعله بهاتفي الخليوي.

وما ذكرته أعلاه، لا يلغي، في الوقت ذاته، حقيقة أن تصرفي المذكور سلفاً لم يثر في ذاتي اشارة استفهام، أو يستوقفني، ويدعوني للتفكير. وكل ما وصلت إليه منتفسيرات، وجدتها لا ترقى إلى مستوى الإقناع العقلي والمنطقي. إذ ما الفائدة المرجوة من عدم محو اسم صديقأو أصدقاء توفّاهم الله من ذاكرة هاتفي الخليوي؟ والجواب واضح وصريح، وهو أنّه لا توجد أي فائدة، بل ومن الأجدى لي – حتى من باب المحافظة على صحتي النفسية- محو تلك الأسماء من ذاكرة الهاتف. لأن محوها لا يعني أنني أقوم بمحوها من ذاكرتي ومن حياتي كلية، بل يعني تخفيف العبء على ذاكرة هاتفي الخليوي، وحيازة مساحة اضافية، ربما أكون في حاجة إليها.

والمقصود، من كل ما ذكرت أعلاه، أن لا أحد يجرؤ على المساس من أهمية تفسير تصرفاتنا وسلوكنا الحياتي، وفقاً للمنطق والعقل. ذلك أن تعقد الحياة، ينعكس على الذات الانسانية، سلباً وايجاباً، مما يدخلها في متاهة سلوكيات وتصرفات قد تكون غريبة قليلاً ومثيرة للاستغراب، إلا أنها، في الوقت ذاته، لا تضرّ أحداً، وقد لا تنفع صاحبها أيضاً. لكنها توافق هواه في زمن ما.ولهذا السبب، لا نحتاج إلى اجهاد أنفسنا بالبحث عن تفاسير ومسببات.

شاهد أيضاً

أمازونات الزراعة: ليبيات يعدن إلى الأرض

تقرير / ريما الفلاني – الصباح لم يخطر على بالي وانا اتجول في أروقة  “  …