منصة الصباح

جثتان

عمر أبو القاسم الككلي

لا يتسع المسرب قليلا إلا ليضيق كثيرا. لا يستقيم حينا إلا ليتعرج أحيانا. لا يسلس تارة إلا ليتوعر تارات، بالصعود والانحدار وما يفترشه من شوك وحصى وأحجار ويعتوره من حفر وصدوع طولية وعرضية. وندر ما توجد عليه بقع وخطوط ظل تنشرها هياكل أشجار جرداء. ليس ثمة أية صخور تبسط  ظلا كافيا لأن يُظل المرء فيه جزءا من جسده حين الحاجة.

الجو حار. شديد الحرارة. رجل وامرأة يسيران متجاورين أحيانا، وأحيانا يتقدم أحدهما (غالبا الرجل). معظم الوقت يتبادلان الحديث بصوت غاضب عال (حصة المرأة من الكلام كانت أكثر بكثير من حصة الرجل). تجاوزا منتصف العمر (الرجل أكبر من المرأة). هما زوجان. هما في غاية الإنهاك. يحملان على ظهريهما جثتين ثقيلتين لامرأة ورجل، معلقتين من أرجلهما بسيور مشدودة على الكتفين ووجهاهما إلى الخارج. المرأة تحمل جثة الرجل بينما يحمل الرجل جثة المرأة. لا يكفان عن مواصلة المسير من أجل بعض الراحة. أحيانا قليلة يتريث أحدهما هنيهة ليعدل من وضع الجثة التي على ظهره. يشربان ويأكلان وهما يسيران. وحتى إفراغ المثانة والأمعاء يقومان به أثناء ما يمشيان. وما يدل على أنهما يعيشان سائرين منذ مدة طويلة (واضح أنها سنوات) قيامهما بعمليات الإفراغ هذه بخبرة ومهارة وسهولة، تعادل سهولة الكلام.

اللافت للنظر أن الجثتين غير متحللتين. فباستثناء التنفس والحركة والكلام، تبدوان كجسدين حيين بكامل الأهلية. ومع ذلك كان كل منهما يتذمر ويتأفف من أن الجثة التي على ظهره تُصدر روائح عفنة. لكن حين يقترب الرجل من جثة الرجل المحمول على ظهر المرأة يصرح أنه لا يشم شيئا، وبالمثل حين تقترب المرأة من جثة المرأة المحمولة على ظهر الرجل. ملامح المرأة- الجثة، المحمولة على ظهر الرجل، تماثل، تماما، ملامح المرأة السائرة التي تحمل الرجل- الجثة الذي ملامحه نسخة طبق الأصل من ملامح الرجل السائر.

شاهد أيضاً

صالون الشاطئ الأدبي بسبها ينظم محاضرة في اللغة العربية

الصباح نظم صالون الشاطئ الثقافي الأدبي بمدينة سبها أمس السبت محاضرة حول موضوع الدلالة والتدليل في اللغة العربية …