جبل الموساد
منصور بوشناف
جبل ” مسادا ” او ” مسعده ” كما يسميه الفلسطينيون كان ملاذا أو ملجأ لاحد ملوك اسرائيل, بنى فوقه قصرا محصنا يصعب الوصول اليه به خزانات للمياه تكفي ساكنيه لمدة طويلة وكذا ألاكل فقد كانت به مخازن ضخمة وللاسلحة للدفاع عنه في حالة نشوب تمرد او ثورة ضده .
أحدى الفرق او الطوائف اليهودية قادت تمردا وفشلت في تمردها فلجأ افرادها الى ذلك الجبل الحصين وتمترسوا به, من حاصر تلك الفرقة لم يكن اليهود وانما الرومان الذين احكموا قبضتهم على تلك المملكة اليهودية ولم يتبق الا اولئك المتمترسين بجبل ” مسادا ” الحصين .
كانوا يحتمون بكهوف ذلك الجبل رجالا ونساء وشيوخا واطفالا, يسدون منافذ الكهوف وتحاصرهم قوات الرومان ألمتوحشة ليتشكل “جيتو ألفناء ” يقوده رجل الدين اليهودي المتطرف للعودة الى أرض الميعاد محميين بجبل المسادا الحصين أو الى الجنة كما يعتقدون .
يصمد المدافعون وألماسادا والكهوف, وتتشكل حياة ” الجيتو ” بأطفالها ونسائها ورجالها وشيوخها تحت حصار ألأخر مهددة بالفناء رغم الماسادا وألكهوف المظلمة
صمود المدافعين والماسادا وكهوفه ورغم كل ألإيمان وألأدعية ورغم التلاحم بين سكان كهوف الماسادا, كان محكوما بالإنهيار تحت حصار الروماني وإن طال الصمود, لذا كان على روح ذلك ” الجيتو ” وعقله أن يعد سكان كهوف موساداه لعبور جديد عبر صحراء ألأنتحار الجماعي إلى أرض الميعاد ألأخيرة أو الجنة التي وعدوا بها .
ميراث سكان كهوف الماسادا المحاصرين جعلهم وإثر استحالة الخروج وسفره يلجأون الى العبور ألأخير فكان ألأمر بأن يعبر كل أب بزوجته أولا ثم بأطفاله ليكون أخر العابرين ألى ارض الميعاد ألأخيرة ” الجنة ” بالذبح كي لايجد محاصروهم إلا جثتا للسبي وألإستعباد بينما تعبر الارواح العبرانية محلقة على قمة جبل الماسادا لا يطالها السبي ولا الاستعباد .
على هذا النحو وما أن بدأت جدران كهوف جبل الماسادا تهتز تحت ضربات الرومان حتى شرع كل أب في ذبح زوجته ثم اطفاله ليختتم المذبحة بانتحاره السامورائي المريع .
قائد ومرشد تلك المعركة العدمية “رجل الدين اليهودي” ظل يتابع عبورسكان جبل الماسادا, متفقدا رعاياه وهم يقومون بقفزة العبور نحو العدم والفناء حتى أخر روح فبهم ليعبر بروحه غارسا سيفه في احشائه ليسوق أرواح أتباعه الى مرعاها ألأخير..
مع نشؤ الحركة الصهيونية الحديثة والشروع في مشروعها الاستيطاني العنصري في فلسطين تمت إعادة هذه الحادثة بسردية مغايرة, فبعد ان كانت سردية نهاية متمردين مارقين ضد دينهم وشعبهم تحولوا في السردية الصهيونية الجديدة الى ابطال قوميين لم يقبلوا بالاحتلال الروماني واختاروا الموت انتحارا “كأي خيار شمشوني مهيب”, هذه السردية الحديثة لذلك الانتحار الجماعي تم تسويقها ونشرها ثم اختفت من الادبيات الصهوينية وتم استبدالها بجبل أخر بدل جبل “مسادا ” هو جبل الموساد الحصين, بكل تحصيناته وخزاناته وكهوفه المظلمة ليكون الملاذ الاخير قبل مهرجان الانتحار الجماعي المهيب.
خيار جبل مسادا القديم والخرافي لايختلف كثيرا عن خيار جبل الموساد الحديث فالفكرة واحدة وبنفس الاستراتيجية والتكتيك فكلاهما كان يعرف استحالة القضاء على الأخر الذي يحاصرهم وكل مايمكنهم فعله ليس أكثر من تأجيل ساعة الانتحار
الجماعي والتمرين اكثر على ممارسة طقوسها المرعبة والمهيبة, فحتى مقلاع “داود” لم يعد بحوزنهم بل شهره في وجه دروعهم محاصروهم من فتية فلسطين واخذت حجارة السجيل تسقط فوق رؤوسهم حجرا وقذائف ودماء شهداء ترعب سكان كهوف جبل مسادا او جبل الموساد . .
اسرائيل ومن جبل موسادها الذي لم يعد حصينا تبدأ في شعائر انتحارها الجماعي بالعودة الى سردية جبل مسادا العدمية عبر عدم الاعتراف بحقوق الاخر في العودة لارضه وإقامة دولته وتحقيق ماحققته غالبية شعوب الارض, حق تقرير المصير والاستقلال .