منصة الصباح

ثقافة الهاتف النقال

تقطة بيضــاء

بقلم / د. أبولقاسم صميدة

فجأة وفى نقلة ابتكارية أخرى اصبح الهاتف النقال فى حوزة كل شخص بالغ او يافع ، صار كل شخص يحمل سلاحه فى جيبه انه شاشة صغيرة ومجموعة أزرار لا تتجاوز قبضة اليد ، لقد كان من المفترض ان يربطنا هذا الاختراع مع الآخرين بالإنترنت لجلب المنفعه المعرفيه وتيسير الاتصال بمن نريد ، ولكن حولته قوى الظلام المتحالفة مع الشر حولته الى صواعق ناسفه لكل ماهو جميل ، فغدا وسيلة لترويج الشائعات والأباطيل والفتن والشيطنة ، ورغم ما فيه من محاسن الا انه يستعمل كأداة رائجة لأهداف متنوعة ، ولأن اقصر الطرق للوصول لعقل الانسان وتوجيهه هو اللغة المقتضبة المٌبهرة الدعائية المغموسة بالعسل والمدججة بالصورة والوثائق الملعوب فيها ، فقد تم صناعة منصات اطلاق لتلك القذائف اللغويّة عبر اختراع ( تويتر والفيس بوك والانستجرام ، وو) فلغة منصات التواصل الاجتماعى اصبحت لغة الشارع ورمزه وشعاره ونبضه حتى انه صار من العسير نفى خبر او شعار مصدره تلك المنصات بالرغم من ان ناشره قد يكون غراً غٌرر به كى ينشر ما كتب ، وهكذا تحول الشعار الى لغة الشارع ، بل انه وفى اوقات المخاض يصبح الشعار واجهة الحراك الاجتماعى ويتحول الى نقطة استقطاب للجموع المندفعه تحت تأثير كلمات شعاراتية انطلقت من صفحة واحدة وتم ( تشييرها من شير ) الى آلاف الصفحات فصنعت موجة ارتدادية مكانها الشارع يستقطبها ميدان او شارع او مدينة بكاملها فتكون نتائجها وخيمة على المجتمعات، حتى ان بعض الشعوب لم تعد تبالى بمهمة الأحزاب والنقابات والزعامات فقد منحها الهاتف النقال خيارات اكثر خفة وفعالية ، فمن صفحة واحدة الى منصات التواصل يتم اطلاق مشروع الشعار والحراك للشارع  وحيث لا زعامة واضحة ولا واجهة ، فالواجهة هى صفحات مخفية تقود لافعال كبيرة وتعطى نتائج مهمة ،، ان هذا الجانب السياسي والثقافى امر مفيد مع الاقرار بخطورته ، ولكن الجانب الآخر لتقنية الهواتف الذكيه هو انه اعطى للعنصرية والكراهية والعدوانية والكذب اعطاهم مساحات شاسعة للنمو وافسح لهم المجال للدخول من ابواب خفية ليتسللوا منها الى ادمغة الناس وصنع المشاكل والفرقة والعنف وترويج الاقاويل مما خلق لبعض الفئات والناس أمراضاً وعٌقداً نفسية ، واعطى الفرصة للتافهين والمنحطين وعديمى الاخلاق ان يستفزوا الناس فخاضوا فى الاعراض والذمم والاصل والفصل وهنا تكمن خطورة هذا الاختراع ونتائجه المدمرة ، وبعيدا عن ذلك فإن تأثير قراءة العناوين المختزلة والكوميكس وهى الصور المدعومة بتعليق قصير والتغريدات والترندات وهى لغة هذه الايام فتأثيرها على المدى البعيد يخلق ثقافة سطحية تفتقر للمصدرية والموثوقية ، وتقصى التخصص وتبيح الارتجال الجدلى ، وهو أثر  مٌدمّر على الأجيال فهو يساعد على صناعة ثقافة عناوينية لا تساعد على العمق والتفكير المتأني ،بل يصنع حائط صد من العبارات الجاهزة والردود المعلّبة وهى ثقافة مشوهة تصنع الانفعال والادعاء وتكثر الخصومات لانها بلا تأصيل او فهم لاعتمادها على اختزالات ومختصرات جاهزة ، فالانسان عليه ان  يعرف ويفكر ويتأمل وان يتعلم الصبر والقراءة ، فالله سبحانه وتعالى امرنا فى أول كلمات نزول الوحى القرآنى الكريم بأن نقرأ وهذه دعوة صريحة للقراءة فالكون كتاب والانسان كتاب والوطن كتاب وكل ما خلق الله من جماد وحيوان وشجر ونهر هي كتب تستحق القراءة ولا ينبغى اختزالها فى كلمات قصيرة وعناوين وعبارات اشبه بشعارات لا تسمن ولا تغنى من جوع ، ومع ان بعض المتشائمين يروا أنه قد فات الاوان لمواجهة قوى الشر فقد انتصرت الحماقة على الحكمة ، وان العالم يغرق فى الوحل ، إلا ان الامل يحذونا فيما يعطينا الله بصيرة الحكمة ونور المعرفة ويهدينا رشدا ..

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …