منصة الصباح

 تعويض اليهود الليبيين وأشياء أخرى

بدون سقف

بقلم / عبدالرزاق الداهش

هل يمكن أن تدفع ليبيا، تعويضات لليهود الليبيين الذين رحلوا، أو جرى ترحيلهم عن ليبيا بعد حرب يونيو في ظروف ليست واضحة تماما؟ صفقة القرن لم تحمل ليبيا ودولا أخرى منح تعويضات لليهود وحدهم، بل تعويضات حتى للبلاد التي رحلوا لها .. ولعل ما تناساه من صمم هذه الصفقة هو إلزام هذه الدول بتقديم تعويضات إلى وكالة الهجرة اليهودية، التي كان لها دور في هذا الترانسفير ولكن هذه الصفقة أو الصفعة لم تتعامل مع النازح الفلسطيني، بالوزن الذي تعاملت به مع النازح اليهودي، رغم فارق العذاب الذي عاشها، ومازال يعيشه فلسطينيو الشتات.. لنبدأ القصة من أول مذبحة يتعرض لها الفلسطينيون، حتى نقف على صفقة القرن كآخر مشروع مجزرة لفلسطين.. قبل عام سبعة وأربعين لم يكن لليهود من أرض فلسطين حتى عشرة بالمئة بينما كان للفلسطينيين، ثلاثة وتسعين بالمئة.

جاء قرار التقسيم الذي رفضه العرب، ولم يقبل به اليهود حتى وإن كان قد وهبهم أربعة وخمسين بالمئة، مقابل ستة وأربعين بالمئة فقط للفلسطينيين. كان المنطق المؤسس لهذا التقسيم هو عدالة القوة، لا قوة العدالة التي مكانها الروايات الشرقية وعلى قد سكاكين الهاجانا، والأرجون، وشتيرن، مدت إسرائيل أقدامها.

كانت دير ياسين القدس، والطنطورة حيفا، والدوايمة الخليل، واللد وكفر قاسم، ومجازر أخرى، تحت عنوان التشرد مقابل السلام. وهكذا تحولت إسرائيل من مشروع لا مكان له إلا في الميثولوجيا التوراتية إلى حقيقة جغرافية، وسياسية على أرض فلسطين، وجثث الفلسطينيين، في عالم شرعن الظلم بدل أن يقف مع المظلوم .

وجاءت حرب يونيو، لتضع إسرائيل قدما على ضفة قناة سويس، وقدما على مرتفعات الجولان، وتتربع على كل فلسطين، وتكسر الكثير من اللافتات التي كان الشارع العربي يضيق بها .. وحدثت ردود انفعالية في غير منطقة من العالم العربي، لعلها كانت السبب في حالات نزوح لعدد من اليهود، وكان لوكالة الهجرة اليهودية دورها، لتستكمل إسرائيل نصف شعبها اليهودي. أما أكثر من نصف شعب فلسطين فقد تم نفيهم خارج فلسطينهم، منزوعين إلا من ذاكرتهم المصفحة ضد النسيان، ومفاتيح بيوتهم التي يحتفظون بها في انتظار أجراس العودة التي لم تقرع.. وتحولت فلسطين إلى قصائد شعرية وأسماء شوارع، وأغنى طربية، ومنظمات، وأحزاب، وعناوين الدكاكين سياسية.. وجاءت حرب أكتوبر كحمل کاذب، لم ينته بحصار الجيش الثالث المصري، واحتلال القنيطرة السورية، بل برفع علم إسرائيل على أكبر عاصمة عربية، مقابل ربع سيادة على سيناء. وحقق کسينجر نصف معادلة لا حربا بدون مصر، لا سلاما بدون سوريا، بحصار بيروت، وترحيل منظمة التحرير في بواخر إلى شط سيدي سعيد في تونس.

وبدأت إسرائيل تكسب معارك الاعتراف بها بدون خسائر، من وادي عربة، إلى أوسلو، ومن الأرض مقابل السلام، إلى الأرض مقابل التطبيع. لننتهي إلى صفقة القرن التي يحصل فيها الشاري على البضاعة وعلى ثمنها أيضا. وهكذا يعيد التوراتيين الجدد كتابة وصاياهم العشر، فلا فلسطين، ولا قدس، ولا حق عودة، ولا بقاء لعرب 48، ولا مسجد أقصى، ولا تنازل على التعويضات، وغيرها.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …