آمنة ارحومة
ـ تقول (ر. س) التي تبلغ من العمر 56 عاماً : دخلت معهد المعلمات درست بجد حتى تخرجت وأصبحت معلمة للصف الابتدائي.. كنت مخلصة لعملي أعلم الأطفال وأشرح لهم دروسهم ليفهموها ويتمكنوا من النجاح في نهاية الفصل الدراسي.. وبتت على هذه الحال لسنوات، وقد كان يأتيني خطاب عن طريق ما يسمى بالخطابة امرأة تأتي للبيت لترى الفتاة وإن أعجبتها تكلم أهل الشاب ليأتوا إلى أهلها، ولكن بصراحة لم يعجبني في ذلك الوقت أي واحد من الذين أتت بهم الخاطبة أو الذين أتوا عن طريق أقاربي أو حتى معارف والدي لم أجد فيهم ما يجذبني ليهم.
ـ صحيح أن البعض منهم كانوا في حالة مادية ممتازة ولكن في تلك الفترة كان والدي مرتاحاً مادياً، وأنا أيضاً لدي مرتبي وعملي الخاص الذي كنت قد بدأت به لرغبة مني في الاستقلالية وإطلاق هوايتي التي أحبها وهي صنع المعجنات بنوعيها الحار والحلو، وبالفعل نجحت في مشروعي وأسست قاعدة جيدة جداً من الزبائن. ـ ولكن بعد مرض أمي لم تعد الأمور كما كانت عليه من قبل فقد أغلقت مشروعي لأن معظم وقتي كنت أقضيه في الاهتمام بأمي، وحتى عروض الزواج التي كانت تأتيني في تلك الفترة كان أبي يقابلها بالرفض من أجل أن أبقى بجوار أمي لأنها مريضة وتحتاج من يساعدها..ـ وكانت أمي تقول لأبي بأن يسمح لي بالزواج ولا يقف حاجزاً ويمنعني من الزواج فيرد عليها (إذا هي بتتزوج من اللي بعانيك وأنت مريضة) وبعدها تحدث مشكلة كبيرة بين أبي وأمي وتنتهي بينمها بالخصام لعدة أيام.
ـ وتسرد (ر. س) بأنه بعد مرور أشهر يأتي خاطب آخر لي فينتهي بالرفض من جانب والدي فتقول له أمي (لا تحرمها حقها في الزواج بسببي) فيقول أبي (تحمد ربها اني خليتها تكمل قريتها).. وبتمسكه برأيه مضت الأيام والسنين ومضي معها أجمل أيام عمري، وأنا إما من المدرسة إلى البيت أو في خدمة والدتي دون أي كلل أو ملل أو تذمر.
ـ ولكن عندما وصلت لسن 48 حدث شئ غير كل حياتي وهو خبر وفاة والدي بسبب حادث سير.. حزنت عليه وتعبت كثيراً بعده ، ولم تعد لي أي طاقة لعمل أي شيء كنت فقط أقوم بمساعدة أمي لأنه وصاني عليها قبل وفاته بأسبوع. ـ واستمررت على هذا الحال لمدة خمسة أشهر إلا أن إخواني وأخواتي لم يتركوني وحيدة كانوا بالفعل في تلك اللحظات العصبية السند الحقيقي لي ولولاهم أبداً ما تخطيت تلك المحنة وعدت لعملي ونشاطي السابق.. وفي كل صلاة أشكر الله على نعمة الأخوة والاخوات التي وهبها الله لي. ـ وتتابع (ر. س) الحديث : «حتى عند تقسيم الميراث لم يطغ أحد على أحد ولم يطمع أحد منا في نصيب الثاني.. وتلك المصيبة بينت لي بأني بدونهم لم أكن لأقف من جديد وأساعد نفسي على تخطئ تلك الصدمة لأن والدي برغم كل قراراته التي حرمتني الزواج إلا إنه لم يحرمني من شئ كان كريماً ويحب أن يراني سعيدة وفي الحقيقة لم أكن أتذمر حين كان أبي يرفض العرسان ودائماً أقول بأن الله لديه حكمة في هذا وأحمد الله على كل نعمه والصبر الذي منحني إياه. .ـ وتبتسم (ر. س) قليلاً ثم تقول: «بعد مرور تسعة سنوات من وفاة والدي تحسن حال أمي وبصراحة كانوا إخوتي وأخواتي هم سبب شفائها بنسبة 70 ٪ لم يتركونا لحظة حتى أن أخي الأوسط قرر أن ينتقل للعيش معنا بشكل مؤقت وفرحت أمي بهذا الخبر.. كان هدف إخوتي الأساسي هو أن تتحسن حالة أمي وتتخطي تلك مرحلة وبفضل الله تخطتها وصارت تجلس بيننا وتتبادل معنا أطراف الحديث.. ولكنها دائماً تبكي وتتحسر وتلقى اللوم نفسها بأنها السبب في باقي لهذه السن بلا زواج فأرد عليها (يمي الزواج قسمة ونصيب ومعاش تحرقي أعصابك وتلومني نفسك). ـ وكان الذي يدخل لقلوبنا الفرحة هم أولاد و بنات إخوتي وأخواتي فهم سبب سعادة أمي وفي كل مرة يعملون لنا مفاجأة.. حتى إن ثلاثة منهم كانوا مرافقين لأمي أثناء استكمال علاجها في الخارج.. بصراحة تعلقنا بهم كثيراً حتى أن أمي طلبت منهم أن يسكنوا معها ولكن أخي الأكبر رفض وقال(خلينا هكي كل واحد في حوشه اريح نتلاقوا ونطمنوا على بعض في حوشك ونهذرزو باش ما حد يضايق حد ولا حد يدخل في حياة حد) مع أن رده لم يعجب أمي إلا أنها قالت له( على راحتكم بس ما تغيبوا عليا) فقال لها (بإذن الله تلقينا عندك كل خميس وجمعة)