أحلام محمد الكميشي
حين تفقد دولة وفدًا رسميًا وقادة عسكريين في حادث مأساوي على أرض بلد آخر، تتجاوز الأسئلة: “كيف سقطت الطائرة؟ ومن أسقطها” إلى السؤال الأعمق: “لمن تعود ولاية التحقيق في وفاة رجال الدولة؟” هنا لا يُسأل: من يملك الطائرة؟ بل يُسأل: من يملك الولاية على دم من قضوا؟ وما الحق الذي تملكه دولة الضحايا في متابعة التحقيق؟
من المهم التفريق بين التحقيق الفني في وسيلة المواصلات، وبين التحقيق الجنائي في وفاة مواطنين على متنها أو بسبب حادث وقع لها. فوفق اتفاقيات الطيران المدني، تكون الدول المخوّلة رسميًا بالتحقيق الفني هي دولة وقوع الحادث، ودولة تسجيل الطائرة، ودولة التصنيع. ويُتاح لدولة الضحايا فقط الحضور بصفة المراقب. وبما أن القانون الدولي العام يعترف بمبدأ الولاية على المواطنين خارج إقليم الدولة، فإن ذلك يمنحها الحق في متابعة كل ما يتعلق بمصيرهم. وهذا الحق مستقل تمامًا عن نوع وسيلة النقل أو موقع الحادث. وهناك فرق بين أن تطلب الدولة المشاركة لأن الطائرة تخصها، وبين أن تطلب المشاركة لأن من قضوا فيها يمثلون سيادتها. الأول امتياز قانوني، والثاني واجب سيادي لا يُنتزع ولا يُمنح.
كما أن الدولة تتحمل التزامًا تجاه عائلات مواطنيها، يجعل متابعة التحقيق واجبًا عليها تجاههم، وحقًا سياديًا لها تجاه الغير. وفي حال قررت ممارسة ولايتها على التحقيق في وفاة مبعوثيها الرسميين، فإن الجهة المختصة بذلك ليست وفدًا بروتوكوليًا أو إداريًا، بل جهة الادعاء العام عبر إنابة قضائية أو مخاطبة رسمية أو إرسال مندوب بصفة قضائية. فالمسألة هنا ليست فحصًا تقنيًا لحطام، بل واقعة وفاة تستدعي جهة اختصاص جنائي، وبصورة مستقلة عن التحقيق الفني للطائرة.
على أن التوسع في طرح الأسئلة لا يستثني أسئلة أخرى منها: كيف ترسل دولة ذات سيادة ممثلين عسكريين رفيعي المستوى في طائرة لا تملكها ولا تصنعها ولا تشغّلها ولا تشرف على صيانتها، وفي مهمة غير معلنة تمثل هدفًا هشًا لأي عمل مخابراتي، وهي تدرك مسبقًا أنها لن تكون صاحبة حق في التحقيق إن قُيّد الحادث ضمن نطاق “حوادث الطيران”؟ وما مدى قدرة ليبيا على حماية أمن وسلامة وفودها الرسمية وحقهم في الحياة؟
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية